الصفحة الرئيسية
بحث :
محلي
عربي دولي
اقتصاد
رياضة
آخر تحديث: الإثنين، 20 شوال 1445هـ الموافق 29 أبريل 2024 الساعة 06:14:10 م
مجلس النواب يواصل عقد جلسات أعماله مجلس النواب يواصل عقد جلسات أعماله
واصل مجلس النواب عقد جلسات أعمال فترة انعقاده الثالثة للدورة الثانية من دور الانعقاد السنوي التاسع عشر اليوم، برئاسة رئيس المجلس الأخ يحيى علي الراعي.
"كتائب القسام" تنشر تصميم لإعادة استخدام الصواريخ غير المتفجرة "بضاعتكم ردت اليكم"
نشرت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية"حماس"، اليوم الاثنين، تصميما عن إعادة استخدامها الصواريخ الصهيونية غير المنفجرة في "كمين المغراقة".
وزارة الصناعة تدشن توزيع خام المانجو المحلي على مصانع العصائر بالحديدة وزارة الصناعة تدشن توزيع خام المانجو المحلي على مصانع العصائر بالحديدة
دشنت وزارة الصناعة والتجارة اليوم، توزيع خام "لب المانجو" المحلي على مصانع العصائر في محافظة الحديدة، في إطار خطط تحويل مصانع العصائر والأغذية نحو استخدام المواد الخام الزراعية المحلية.
التونسية أنس جابر تتخطى أوسباتنكو وتبلغ ربع دور بطولة مدريد للتنس التونسية أنس جابر تتخطى أوسباتنكو وتبلغ ربع دور بطولة مدريد للتنس
تأهلت التونسية أنس جابر المصنفة تاسعة عالميا الى ربع نهائي دورة مدريد للتنس بفوزها على اللاتفية يلينا أوستابنكو العاشرة بمجموعتين دون رد، اليوم الاثنين.
اخر الاخبار:
اخر الاخبار فعالية في مديرية مجزر بمأرب تحشيدا للدورات الصيفية
اخر الاخبار أمين العاصمة يطلع على تنفيذ الأعمال الاسفلتية بجسر النصر
اخر الاخبار مجلس القضاء يقر تقارير الأداء للمجلس وأمانته والنيابة وهيئة التفتيش
اخر الاخبار فرنسا.. محتجون على حرب غزة ينصبون خياما في جامعة السوربون
فارسي
اسباني
الماني
فرنسي
انجليزي
روابط rss
  محلي
السيد عبدالملك الحوثي يدعو إلى استلهام العبر من أحداث التاريخ في مواجهة الظالمين وحالات الاستعباد
السيد عبدالملك الحوثي يدعو إلى استلهام العبر من أحداث التاريخ في مواجهة الظالمين وحالات الاستعباد

السيد عبدالملك الحوثي يدعو إلى استلهام العبر من أحداث التاريخ في مواجهة الظالمين وحالات الاستعباد

صنعاء - سبأ:
دعا قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي الجميع إلى استلهام الدروس والعبر من أحداث التاريخ والعودة إلى السيرة النبوية وحركة الرسل والأَنبياء وكل المصلحين الذين كان لهم دور في إصلاح البشرية ومواجهة حالات الانحراف والاستعباد وفي مواجهة الظالمين والمستكبرين والتصدّي لهيمنة الطاغوت.

وأشار قائد الثورة في خطاب له بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية إلى الأهمية الكبرى لهذه المناسبة كونها شكلت خطوة مهمة ورئيسية في ميلاد الأُمـة الإسـلامية وتأتي ونحن في مرحلة من أَهم المراحل التي تمر بها الأمة الإسلامية كافة والشعب اليمني على وجه الخصوص.

وفيما يلي نص الخطاب:






أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ..
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ..
الحمدُ لله رَبِّ العالمين ، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين ، وأشهَدُ أن سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــد وعلى آل مُحَمَّــد ، كما صليتَ وباركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجَبين وعن سائرِ عبادِكَ الصالحين.
شعبَنا الـيَـمَـني المسلم العزيز ، أُمَّتَنا الإسْـلَامية كافة ، أيها الإخوة والأخوات:

السلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.

بمناسبةِ قدومِ عامٍ هجري جديد وباعتبار المناسبة تذكرنا بحدث تاريخي عظيم ومهم ، هو الهجرة النبوية التي ارتبط بها التاريخ الإسْـلَامي مستنداً إلى أهميتها الكبرى ، وكونها شكّلت خطوةً مهمةً ورئيسيةً في ميلاد الأُمَّـة الإسْـلَامية ، وفي نشوء الكيان الإسْـلَامي ، وبالطبع نتحدث عن هذه المناسبة المهمة ونحن في مرحلة من أَهم المراحل التي تمر بها أمتنا كافة ، ويمر بها شعبنا اليمني المسلم العزيز ، في مرحلة نحن فيها بأمس الحاجة إلى كُلّ ما نستفيدُ منه ، ما يدعم موقفَنا الإنْسَاني ، المبدئيّ ، القيميّ ، الأَخْلَاقيّ ، الدينيّ ، في مواجهة التحدّيات الكبرى.

نحن في مرحلة نحتاج إلى ان نستلهم الدروس والعبر من كُلّ احداث التأريخ ، وأن نعود إلى تأريخنا المجيد والعظيم في سيرة نبينا محمّد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وفي حركة الرسل والأَنْبيَاء ، وفي تاريخ كُلّ المصلحين الذين كان لهم دورٌ في إصْلَاح البشرية وفي مواجهة حالات الانحراف وحالات الاستعباد ، وفي مواجهة الظالمين والمستكبرين وفي التصدّي لهيمنة الطاغوت.

بمناسبة الهجرة النبوية اعتمدت في الإسْـلَام وفي التاريخ بكل ما تعنيه هذه الدلالة بكل ما لها من أهمية ، أن يكون تأريخ المسلمين معتمداً على التأريخ الهجري على الهجرة النبوية وان تكون الشهورُ الهجرية القمرية ، هي التي ترتبط بها الشعائر الدينية في الإسْـلَام ، كما هو الحال بالنسبة لصيام شهر رمضان ، كما هو الحال فيما يتعلق بفريضة الحج ، كما هو الحال في مناسبات متعددة.

في الوسط العام بين المسلمين عزوفٌ عن الاعتماد عن التأريخ الهجري
وللأسف الشديد ، هناك - في الوسط العام بين المسلمين - هناك عزوفٌ كبير عن الاعتماد على التاريخ الهجري ، هناك اعتماد بشكل رئيسي على التواريخ الأُخْــرَى ، التأريخ الميلادي وغيره ، ولربما في كثير من بلدان العالم الإسْـلَامي ، لولا ان هناك فرائضَ وشعائر دينية ارتبطت بالأشهر الهجرية والقمرية لربما - والله أعلم- لكان التأريخ الهجري بأسماء شهوره ، وتعداد سنواته قد انمحى واندرس بشكل نهائي.

من المهم - ونذكَّرُ بهذا في هذا المقام - أن نعيدَ إحياءَ الاعتماد على التاريخ الهجري ، وأن يعودَ للمناسبات الدينية أهميتها على مستوىً عام بين أَوْسَاطنا كمسلمين ،.. هذا هو الشيء الصحيح ، والشيء الذي ترتبط به الذاكرة التاريخية للأمة ، الأحداث ، العِبَر ، الدروس وما يرتبط بها من أُمُوْر مهمة وكثيرة ، كما هو الحال بالنسبة للشعائر .

والرسول صلوات الله عليه وعلى آله لهجرته من مكة إلى المدينة أَسْبَاب وعوامل.. ، ولمسألة الصراع الذي نشأ في مكة و أدّى إلى الانغلاق في ذلك المجتمع ، أَوْ في أكثرية ذلك المجتمع عن تقبل الرسالة ، والتصدّي لمشروع الرسالة الإلهية ، حتى كان هناك ضرورة للانتقال إلى مجتمع آخر وبيئة أُخْــرَى. ، لهذا حكاية مهمة جداً ، هي حكاية كُلّ التاريخ ، وحكاية كُلّ الرسل وكل الأَنْبيَاء ، ولذلك ندخل في تمهيد عن الموضوع ، نتحدث فيه بشكل عام عن الرسالة الإلهية وما يواجهها من عوائق في واقع البشر.

اللهُ سبحانه وتعالى جعل رسالتَه إلى عباده من خلال رُسُله ، وكتبه ، وما يأتي به الرسل والأَنْبيَاءُ ، جعلها لعباده مشروع حرية ، ورحمة ، ومشروعاً إنقاذياً للعباد.. ، الله سبحانه وتعالى أَرَادَ لعباده ، أَرَادَ للناس أن لا يستعبدهم أحدٌ من دون الله ، أن لا يكون الإنْسَانُ عبداً لأخيه الإنْسَان ، وأراد ان يحرر الإنْسَانُ من كُلّ أشكال الاستعباد ، وكل اشكال الاستغلال الظالم ، ولذلك كانت الرسالة الإلهية بادئ ذي بدء تتجه إلى تخليص الإنْسَان من كُلّ أشكال العبودية لغير الله سبحانه وتعالى ، لغير الخالق ، الرب ، المالك ، والمقتدر ، والمنعم.. ، فكانت القضية الأَسَاسية والجوهرية في حركة الأَنْبيَاء والرسل هي تخليص البشرية ، تخليص الناس من كُلّ اشكال العبودية ومن كُلّ اشكال الاستغلال الظالم ، والعمل على رعاية الدور الإنْسَاني وتوجيهه.. ، الدور الإنْسَاني في الاستخلاف في الارض.. ، رعايته وتوجيهه على أَسَاس من المبادئ والقيم ، وهذا ما تميّز به الإنْسَانُ كإنْسَان ، في طبيعة مسئوليته في الحياة ودوره الكبير في هذا الوجود ، كعنصر رئيسي له مسئوليته الكبرى ، له دوره الكبير ، عليه الأمانة التي لم تحملها الجبال ولا السماوات ولا الارض ، فيأتي هذا المشروع بناءً على هذا الأَسَاس؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"؛ لأن الطاغوت هو حالة الاستعباد التي تتحكم بالناس ، وتستغلهم ، وتفرض هيمنتها المطلقة وتبعيتها العمياء عليهم ، يدخل ضمن ذلك مظالم كبيرة ، مآسٍ كثيرة ، كوارث رهيبة في واقع البشرية ، شقاء وهوان ، انحطاط بالقيمة الإنْسَانية والكرامة الإنْسَانية ، فعلى مدى التاريخ كانت هذه قضية جوهرية في حركة الأَنْبيَاء ، وفي حركة الرسل.

أَيْضاً الرحمة بهذا الإنْسَان ، الرسالة الإلهية في كُلّ مضامينها ، في كُلّ تعاليمها ، في كُلّ توجيهاتها ، في كُلّ تفاصيلها هي تحقّق الرحمةَ ، هي مصداقٌ لرحمة الله سبحانه وتعالى؛ لأنها تعاليم تسمو بهذا الإنْسَان ، ترتقي بهذا الإنْسَان ، تزكي هذا الإنْسَان ، وفي نفس الوقت تعالجُ الكثيرَ من مشاكل الإنْسَان ، بل وتَحُوْلُ دون الكثير والكثير من المشاكل فيما إذا تمسك بها الإنْسَان ، وتضمن له في هذه الحياة الطيبة بكل ما تعنيه المفردة "حياةً طيبةً في كل جوانبها" ، وتؤسس في المجتمع الإنْسَاني ، تؤسس الروابط والعلاقات القائمة على أسس سليمة ، وعلى أسس صحيحة.

وهكذا تمثّل رحمةً من كُلّ جوانب الرحمة ، فيما يدفع عن هذا الإنْسَان الكثير من المظالم ، من المآسي ، من الاضطهاد ، من الامتهان ، من الاذلال ، من القهر ، فيما يحقّق له العدالة في حياته ، والخير في حياته ، وخير الدنيا والآخرة ، فيما ينقذه من تبعات انحرافاته ومظالمه وخروجهِ عن الصراط المستقيم في الدنيا ، وفي الآخرة من عذاب الله الأَكْبَر؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".

كذلك في الرسالة الإلهية غاية تتوجه رأساً إلى داخل الإنْسَان ، إلى أعماقه ، هذا الإنْسَان يراد له ان يكون متميزاً بين سائر الموجودات والدواب على هذه الأرض ، ان يكون إنْسَاناً مكرّماً كما كرمه الله في خلقه ، وكما كرمه الله في تدبير شئون حياته التكوينية ، أَيْضاً في واقعه الحياتي ، العملي ، السلوكي ، الأَخْلَاقي ، ان يكون راقياً ، أن يكون زاكياً ، أن يكون مهذباً ، أن يكون مستقيماً ، أن يكون طاهر القلب ، زكي النفس ، مستقيم السلوك ، سليم اللسان ، راشداً في التفكير ، في التصور ، في الموقف ، في العمل ، وهكذا أَرَادَ الله لهذا الإنْسَان ، - وهذا ما تسعى له الرسالةُ الإلهية مع هذا الإنْسَان- ، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" ، فهي ترتقي بالإنْسَان تُعَلِّمُه ، تزكيه ، ترتقي به نحو الأعلى ، نحو السمو ، نحو الزكاء ، نحو الخير ، نحو الرشد ، نحو الفضائل ، نحو مكارم الأَخْلَاق.

هذا المشروع الإلهي بكل ما يهدفُ اليه ويسعى له يصددمُ ، يصددمُ مع فئة من البشر ترى فيه مشكلةً عليها ، وترى فيه خطراً يهدد ما تعتبره مصالح لها ، هذه الفئة هي الفئة التي تسعى إلى التحكُّم بالناس ، إلى الاستعلاء عليهم ، إلى الاستغلال لهم ، إلى الاستئثار بخيراتهم ، إلى فرض رغباتها وما تراه مناسباً فيما يحقق لها على وجه الخصوص ما تريده ، وما تسعى له ، ولو كان على حساب بقية البشر ، ولو كان بمضرة جميع الناس ، لا مشكلة عندها ، هي تريدُ ان تفرضَ نفسَها ، أن تفرضَ إرادتها ، أن تفرضَ ما تراه لمصلحتها على كُلّ الناس.

هذه الفئة المستعلية والمستأثرة ، هذه الفئة المتغطرسة ، هذه الفئة الظالمة ، هذه الفئة - التي هي فئة أنانية - يسميها القرآن الكريم بـ(المستكبرين) "الذين استكبروا" .. ، هذه الفئة تصددم بالمشروع الإلهي ، بالرسالة الإلهية ، لأنها تريد ان تكون هي المتحكمة بالناس ، بينما رسالة الله هي لتحرير الناس من هيمنة كُلّ أحد إلا الله سبحانه وتعالى الخالق والملك والمالك.

هذه الفئة هي تريد أن تهيمن بظلمها ، وطغيانها ، وجبروتها ، وشهواتها ، وأهوائها ، ورغباتها ، وهي تنطلق من الدافع الغريزي.. ، من الدافع الغريزي ، وليس من الدافع الإنْسَاني ، ولا من خلال الاحتكام والالتزام بالقيم والأَخْلَاق.. لا.. ، هذه الفئة تتجه فوراً إلى التصدّي للمشروع الإلهي ، فواجهت الرسلَ ، وواجهت الأَنْبيَاء ، وواجهت وَرَثتَهم الحقيقيين الذين حملوا مشروعَهم في أَوْسَاط البشرية ينادون به ويعملون لإقامته ويدعون إليه ، واجهوا على مر التاريخ ، وهذا هو الحال معهم ، وهم - كما قلنا - فئة استعلائية ، استئثارية بغير حق ، وتتحكم ، يصفها القرآن الكريم بـ(المستكبرين) ، وأحياناً بـ(الطاغوت).

أول هذه الفئة كان هو إبليس ، إبليس هو أول من استكبر واستعلى ، وجحد الحق ، ورفض الاذعان لله سبحانه وتعالى ، ولذلك قال الله عنه - عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا كلهم إذعاناً لأمر الله - قال تعالى - : "إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ". ويحكي لنا القرآنُ الكريمُ في سورة الأعراف وفي سور أُخْرَى كيف كان موقفُ الذين استكبروا من أقوام الأَنْبيَاء والرسل ، الموقف الرافض للرسالة الإلهية ، المكذّب بها ، والمعادي لها ، ويحكي بعد رسالة الأَنْبيَاء كيف تكونُ ردةُ فعل أُولئك : "قال الملأ الذي استكبروا من قومه" ..وَ: "قال الملأ الذين استكبروا من قومه" ، "قال الملأ الذي كفروا من قومه" . وهكذا كثيراً وكثيراً.. ، يحكي كذلك عن نموذج من نماذج الاستكبار متمثلاً بفرعون ، ويقول سبحانه وتعالى: "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ، فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ" .. ، يتحرك هؤلاء المستكبرون في مواجهة رسالة الله ،.. بأشكال متنوعة طبعاً ، البعض منهم التكذيب والجحود التام ، البعض منهم الإذعان والقبول عندَ الضرورة وعندما تفرض الأَوْضَاع نفسها عليهم وتغلب الرسالة الإلهية ، ثم يعملون من الداخل على التحريف للمفاهيم ، وعلى الاحتواء للتعاليم ، وعلى السيطرة بشكل جديد والظهور بوجه آخر مختلف.

المستكبرون ينشطون ، يواجهون الرسالةَ الإلهية في مبادئها المهمة ، وقيمها العظيمة ، وهدفها بتحرير الإنْسَان ، إنقاذ الإنْسَان ، وتكريم الإنْسَان ، وتحقيق العدالة للبشرية ، وبالطبع ينشطون بين أَوْسَاط الضعفاء ، بين أَوْسَاط بقية فئات المجتمع من حولهم ، لأن المستكبرين لا يعيشون في واقعهم حالةً انعزالية.. ، لا.. أَسَاساً الاستكبارُ عملية ترتبط ما بينهم وبين الآخرين ، هم يستكبرون على الآخرين ، يستكبرون على الضعفاء ، يستكبرون على بقية فئات المجتمع من حولهم ،.. بهذه النزعة لديهم – الاستعلائية - بتلك الغطرسة ، بذلك التحكم والطغيان ، بتلك الهيمنة بذلك الاستئثار والاستبداد ، لديهم هذا التوجه ، فهم يتجهون إلى المجتمعات من حولهم لضمان الهيمنة عليها بكل الوسائل والأَسَاليبِ..

القرآن الكريم يصنف ، أو يسمي فئةٌ واسعةٌ من أَبْنَاء المجتمع ، هي أَوْ الكثير منها يخضعُ لهم ، يلبي رغبتهم الاستكبارية من خلال الاذعان والتقبل المطلق والتبعية العمياء لهيمنتهم وسيطرتهم.. ، هذه الفئة يسميها القرآن بـ(الضعفاء) ، ولربما الكثير من المجتمعات ، والكثير من الناس - أفراداً - ينظر إلى واقعه فيعتبر نفسَه ضعيفاً؛ إما بضعف الإمْكَانيات كأن يكون فقيراً ، فيعتبر نفسَه ضعيفاً؛ لأنه لا مال له ، لا ثروة له ، هو ضعيفٌ بالنسبة إلى ذوي الغنى والثروة.. ، أَوْ باعتبار أن أُولئك يشكّلون المستكبرين من موقعهم السلطوي والمادي وثرائهم وأخذهم بأَسْبَاب القوة ، مظهراً من مظاهر القوة ، فيرى الآخرون أنفسهم ضعافاً أمامهم أَوْ ضعفاء تجاههم ، فيعتبرون أنفسهم في حالة الضعف.. ،
الكثيرُ من هؤلاء الضعفاء الذي هو ضعيفٌ لفقره أَوْ ضعيفٌ لقدراته ، لإمْكَاناته أَوْ لأي اعتبار آخر ، ينجذبُ نحوَ هؤلاء المستكبرين.. ، فيشكّل الضعفاء فئةً واسعةً وَأداةً مهمةً يعتمدُ عليها المستكبرون.. ،
المستكبرون دائماً هم أقلية.. ، ولكن لها جمهورٌ واسعٌ وعريض ، لها قوة تعتمدُ عليها.. ، وهذا من العجيب جداً ، أَنّ الضعفاء ينظرون إلى المستكبرين كقوة ، والمستكبرون ما كانوا أَسَاساً أقوياء الا بالضعفاء ، وانظر في التاريخ - في كُلّ التاريخ - إلى كُلّ طاغية ، إلى كُلّ مستكبر ، تجد أن جيشَه وقوتَه وعتادَه وإمْكَاناته تعتمدُ في الأَسَاس من خلال ما سيطر عليه ، من خلال أَدَوَاته التي واحدة منها القدرة البشرية ، ما لديه من جيش ، ما لديه من أنصار ، وهم يشكلون في واقعهم العام وطبقتهم الساحقة من فئة الضعفاء ، فالمستكبر قوي بالضعفاء.. ، والضعفاء انخدعوا ورأوا في المستكبر أنه يشكّلُ قوةً فانجذبوا إليها - بحكم إحساسهم بالضعف - للانضواء تحتها إمَّا اذعاناً ، وأما رغبة وميلاً ، ولهذا يحكي القرآن الكريم هذه الحالة - حالة الانجذاب - لدى فئة واسعة من الضعفاء ، الانجذاب الذي يوصلهم إلى الذوبان ، إلى التبعية العمياء ، إلى الطاعة المطلقة ، إلى جعل أُولئك المستكبرين أنداداً من دون الله ، يطيعونهم أكثر من الله ، وفيما يعصي الله ، فيما هو معصية لله سبحانه وتعالى ، فيقول جل شأنه: "ومن الناس مَن يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحُبّ الله" تصبحُ حالةُ الانجذاب انجذاباً بمحبة حتى ، وتصل حالةُ التبعية العمياء والطاعة المطلقة والاستسلام التام والخضوع المطلق إلى هذا المستوى الذي يسميه القرآن أنهم جعلوهم "أنداداً من دون الله" ارتبطوا بهم بطبيعة الارتباط الذي ينبغي ان يكونَ بينهم وبين الله سبحانه وتعالى " يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ". ونلاحظ هنا ان عاملَ القوة - من خلال الآية القرآنية - نلاحظ ان عامل القوة مثّل عامل انجذاب للبعض من الضعفاء إلى أُولئك المستكبرين ، لأنهم رأوا فيهم الأقوياء ، فأرادوا ان يستمدوا قوةً من قوتهم ، فانجذبوا إليهم بهذا العامل ، ثم يقول "إذ تبرأ الذين اتبعوا" هي علاقة تبعية.. ، كيف جعلوهم أنداداً؟!.. ، هل كانوا يصلون لهم صلوات كمثل الصلاة التي نصليها لله سبحانه وتعالى؟.. لا.. ، المسألةُ مسألةُ تبعية عمياء ، تبعية في كُلّ شيء ، في الحق والباطل ، والصحيح والغلط ، في الطغيا ،ن في الظلم ، تبعية عمياء لهذا قال: "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا"؛ لأن هذه الحالة التي جعلوهم فيها أنداداً من دون الله هي حالة تبعية عمياء ومطلقة.. ، فيوم القيامة تبرأوا منهم "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ" إلى آخر الآيات المباركة.

عاملٌ آخر من عوامل الانجذاب هو الترَفُ ، المال ، الحرص على الحصول على شيء من حُطام هذه الدنيا.
في العادة معظم هؤلاء المستكبرين ، الفئة المؤثرة ، الفئة السلطوية منهم التي لها تأثيرٌ كبير في واقع الناس وتحكم كبير ، فئة تتمتع بقوة المال بقوة النفوذ ، بقوة السلطة ، ويمثل عاملَ المال عاملاً مؤثراً جداً ، هذه الفئة هي توصفُ في القرآن الكريم بـ(المترفين) أَيْضاً ، هؤلاء المترفون الذين لديهم استحواذ واستئثار وحرص على الجمع والادخار وعلى الثروة ، وعلى التوظيف لهذه الثروة بالاتجاه الخطأ ، ونزعة استعلائية ، ونزعة بطر ، ونزعة غرور بما لديهم من مال ، ونزعة استعلاء بما لديهم من ثروة ، هؤلاء هم أَسَاساً يشكلون النواة الرئيسية داخل فئة المستكبرين ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا" على مدى التاريخ بكله في كُلّ زمن "إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا" ، فكان لديهم النزعة الاستعلائية ، بما أنهم الأكثر مالاً ، الأكثر ثروة ، أن يكونوا هم فوق المجتمع بكله ، المتحكمين بالمجتمع ، النافذين في المجتمع ، المسيطرين على المجتمع ، الفارضين لرؤاهم ورغباتهم وأطماعهم وشهواتهم وأهوائهم بشكل عام عَلى المجتمع "وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" وينشط المستكبرون لضمان استحواذهم على الناس وسيطرتهم ، يسعون إلى الاستحواذ الكامل على الإنْسَان من حولهم ، على المجتمعات من حولهم ، التحكم بها في عقائدها ، في توجهاتها ، في مواقفها ، في سياساتها ، في كُلّ شئون حياتها ، وهذه حالة سيئة جداً ، هي حالة استعباد ، حالة تضليل رهيبة جداً.

والقرآن الكريم يحكي لنا كيف كان هذا من أَهم العوامل المؤثرة التي حالت بين الكثير من الضعفاء ومن المستضعفين من فئات المجتمع الأُخْــرَى ، وبين الإقبال إلى الحق ، التقبل للحق ، الايمان بالحق ، كيف كان هذا عاملاً مهماً ومؤثراً في التضليل للناس ، فيقول الله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ " ، لا إله الا الله في موقف القيامة ، موقف الحساب والجزاء ، حيث الكل في مقام الاستسلام والاذعان لله بالعبودية والخضوع التام لرب العالمين "موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول" ، يتجادلون ويتناقشون ويتخاصمون "يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ" ، فالذين استضعفوا فخضعوا وتأثروا واذعنوا واستسلموا للذين استكبروا ، فأطاعوهم واتبعوهم وخضعوا لهم ، يوم القيامة يرون أنفسهم في حالة الخسران والندم الشديد ، فيخاطبون المستكبرين ، يلقون باللائمة عليهم ، وهُم في حالة تغيض وغضب ، رأوا أنفسَهم قد خسروا كُلّ شيء لمصلحة أُولئك المستكبرين ، فكانوا خاسرين في الآخرة كما خسروا الدنيا "لولا أنتم لكنا مؤمنين".. ، "قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ" ، هل علينا اللائمة؟ هل علينا المسئولية؟ ، أنتم قد وصل اليكم الهدى ، وصل اليكم صوت الحق ، وصلت اليكم رسالة الله لاستنقاذكم وخلاصكم وهدايتكم ، لم يكن دورنا على المستوى الذي يحول تماماً دون وصول الهدى إليكم.. ، وصل إليكم الهدى.. ، لكنكم لم تقبلوا به ، فاخترتم الاتجاه الآخر ، اخترتم طريقتنا والسير معنا والخضوع لنا ، "بل كنتم مجرمين" كنتم أنتم منحرفين من أصلكم ، واخترتم طريق الإجرام لأنكم مجرمون ، (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا).. يلقون من جديد باللائمة عليهم ، أنهم بمكرهم ، بمساعيهم ، باستخدامهم كل الوسائل للتأثير والتضليل التي تنحرف بالإنسان إلى درجة الكفر بالله سبحانه وتعالى ، إلى درجة اتخاذ الأنداد من دون الله سبحانه وتعالى.

ولذلك نلحظ بأهمية المسألة ، الأهمية الكبيرة ، أنها كانت هي العامل الرئيسي في الانحرافات الكبرى في واقع البشر لدرجة عجيبة جداً.

لو نأتي على مدى التاريخ إلى الأقوام والأمم التي كانت وثنية وعبدتِ الأصنام وعبدتِ الشمس أو القمر أو المخلوقات الأخرى أو الأشجار أو المجسمات أياً كانت ،.. الأمم الوثنية هذه ، هل كانت تنجذب إلى الأحجار ، إلى الأصنام ، إلى المجسمات الأخرى ، تنجذب من نفسها ، فئات المجتمع ، عامة المجتمعات ، هل كانت تنجذب من نفسها نحو الصنم؟.. ، لا.

الصنم الحجري الذي كان موجوداً في الواقع العربي ، والذي لا يزال موجوداً في أمم اخرى ، وكان موجوداً عبر التاريخ في أقوام أخرى كحالة غريبة جداً ، أن يتجه البشر ليصنعوا أحيانا هم أو يشتروا أحياناً أخرى صنماً حجرياً فيجعلوا منه آلهة.. ، حالة غريبة ، حالة غريبة جداً ، من أغرب الحالات في واقع البشرية.. ، هل هي حالة انجذاب نحو الصنم؟.. لأن الصنم الحجري أثر عليهم ، أقنعهم ، تحدث إليهم ، أغراهم ، خاطبهم ، قدم لهم إغراءات معينة ، قدم أشياء معينة أثرت عليهم.. ، لا.. ، لا يوجد أصلاً ما يمكن أن يعزز هذا الارتباط أو يصنع هذا التوجه الغريب جداً في عبادة جمادات ، وعبادة كائنات أخرى مخلوقة ، الإنسان أرقى منها ، الإنسان أرقى من الصنم ، وأرقى من الحجر ، وأرقى من الكائنات والجمادات الأخرى.. ، فكيف كان يحدث ذلك؟.. ،هذا هو شغل المستكبرين ، شغل المضلين. وهم كانوا يفعلون ذلك لأنهم يفرضون واقعاً معينا على الإنسان يضمن لهم التحكم التام بهذا الإنسان ، والصرف له والإبعاد له عن كل ما يحرره من العبودية لهم ، فنجد في حركة الرسل والأنبياء كيف كانوا يلحظون ذلك.. أنها بالدرجة الأولى حالة انجذاب ، حالة تبعية.

نبي الله ابراهيم عليه السلام يخاطب قومه فيقول لهم: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً) أوثاناً ، أصنام حجرية ونحوها (أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا) ، بفعل هذا الارتباط ، بحكم هذه الروابط والعلاقات والتبعية التي أثرت لهذه الدرجة ، بهذا المستوى ، فاتخذوا من دون الله أوثاناً نتيجة هذا الانجذاب ، هذه المودة ، هذا الحب الغبي ، الجاهل ،"مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين".

نبي الله نوح عليه السلام وهو يشكو إلى الله سبحانه وتعالى بعد 950 عاماً من جهوده في هداية قومه: (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) – هذه مشكلتهم ، اتبعوا ، اتبعوا أولئك المستكبرين من ذوي الثروة والجاه والسلطة والتأثير من ذلك الموقع - موقع السلطة ، الثروة ، والاقتدار المادي - ، (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ، ومكروا مكراً كبارا ، وقالوا لا تذرن آلهتكم ، ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيراً) ، كان هذا إضلالاً منهم..

في حركة النبي محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما واجهه مع تلك الفئة المستكبرة ، يقول الله سبحانه وتعالى: (وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشي يراد ، ما سمعنا بهذا في الملة الأخرة إن هذا إلا اختلاق ، أأنزل عليه الذكر من بيننا) – انطلق الملأ منهم ، هم الفئة المستكبرة ، الملأ.. ، تحركوا هم ، ولو تركوا المجتمع ولم يحاولوا أن يضغطوا عليه وأن يؤثروا فيه لكان أقرب – بالتأكيد - إلى الاستجابة ، ولكن لا يعني ذلك أنه لا لوم على المجتمع ، ولا لوم على المستضعفين.. ، المستضعفون لا مبرر لهم في هذا الانجذاب الأعمى ، الضعفاء الذين انجذبوا بفقرهم إلى أولئك ليخدموهم ، ليُخضِعوا أنفسهم لهم ، ليكونوا معهم في كل شيء ، حتى في الباطل ، حتى في الظلم ، حتى في الفساد ، حتى في الطغيان.. ، الذين انجذبوا بدافع القوة أو نحو القوة ، رأوا في أولئك أنهم أقوياء ، لا مبرر لهم أيضاً.. لأنهم إنما استقووا بهم ، واستقووا بثرواتهم.. ، وهذا من أهم المسائل التي يجب أن يلتفت إليها الضعفاء - المستضعفون - الذين هم يشكلون الفئة الواسعة في المجتمعات ، أن أولئك كانوا مستأثرين بثروتكم أيها الضعفاء ، وكانوا أقوياء عسكرياً وسلطوياً حينما يجعلون منكم أنتم جيوشاً لهم ، أذرعةً لهم ، أياديَ لهم ، يبطشون بكم ، ويظلمون بواسطتكم ، فلو تحرر المستضعفون لكانوا هم أقوياء لأن أولئك إنما استقووا بهم ،.. ولكانوا هم الذين ينعمون بثرواتهم التي استأثر بها أولئك عليهم ، وهذا ما يحدث في كل زمن.

حتى في عصرنا هذا ائتِ إلى الأنظمة المستكبرة ، ائتِ إلى أمريكا ، ائتِ إلى اسرائيل ، ائتِ إلى الأنظمة المستكبرة في واقعنا العربي والإسلامي ، نفس المسألة ، استثأروا بثروة الأمة ، فرأى فيهم الكثير من الفقراء أنهم أغنياء بما حازوه من ثروة ، أخذوا فيها الكثير الكثير على الضعفاء وعلى حقوقهم وعلى حسابهم ، وائت إلى قوتهم العسكرية كيف شكّلوها من المجتمعات.. 90% أو قد يكون 99 % منهم من الضعفاء ، أو أن الكثير من الأغنياء يذهب ليتجند.. ، لا.

حالة الاستقطاب دائما ما تكون نشطة بين هذه الفئة الواسعة ، فئة الضعفاء ، وهذه الفئة ترى خسارتها كبيرةً يوم القيامة؛ لأنها ترى أن أولئك نعموا ، عندما تذهب حالة العمى ، عندما يستفيقُ الضعفاء الذين أتبعوا المستكبرين ، عندما يستفيقون يوم القيامة من غفلتهم ، يدركون أن أولئك إنما كانوا أقوياء وتمتعوا بما تمتعوا به في الدنيا من ثرواتهم وبهم ، أما هم فكانوا خاسرين.

يقول الله سبحانه وتعالى حاكياً عن مشهد القيامة: (وبرزوا لله جميعاً). برزوا في ساحة الحساب ، في موقف الحساب ، في عرصة القيامة ، (برزوا لله جميعاً) للحساب والسؤال ، حينها أدرك الضعفاء خسارتهم ، خسروا كل شيء لصالح ما مُتِّعَ به المستكبرون.
(وبرزوا لله جميعاً ، فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً) – كنا في الدنيا لكم تبعاً- وتبعيتنا هذه العمياء ، تبعيتنا لكم في الباطل ، في الظلم في الغلط ، في الاستكبار ، تبعيتنا لكم التي شكلت مصدر قوة لكم ، ساعدكم على الهيمنة ، وعلى الظلم ، وعلى الطغيان ، وعلى التحكم بعباد الله وعلى إضلال الناس ، كان خسارتنا ، كان ذنبنا ، كان سبب هلاكنا.. ، اليوم ما الذي ستقدمونه لنا في مقابل ما قدمناه لكم في الدنيا.. قاتلنا من أجلكم في الدنيا ، تمكنتم - من خلالنا - من ظلم الناس واضطهادهم والهيمنة عليهم ونهب خيراتهم وثرواتهم.. اليوم ما الذي ستقدمونه في المقابل ، (إنا كنا لكم تبعاً ، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء.. ولو بعضاً من العذاب ، (قالوا لو هدانا الله لهديناكم) ، قالوا ليس بإمكاننا اليوم أن نقدم لكم أي شيء.. كان الشيء الذي يمكن أن يفيدكم ويفيدنا جميعاً في الدنيا ، كان هو الهدى الذي جاء من الله ، كان هو رسالة الله ، تعليمات الله ، توجيهات الله التي أرادت لهذا الإنسان الحرية من الاستعباد ، والحرية من الاستغلال الظالم ، والحرية من الاستبداد ، والحرية من الامتهان ، وأرادت وقدمت مشروع العدل في الحياة.. (سواء عليهم أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص).

وللعلم ، الرسالة الإلهية ، وهدى الله ، ودين الله ، وتعاليم الله ، وحركة الرسل والأنبياء والوحي الإلهي أتى أصلاً رحمةً للعالمين بكلهم ، لم يكن مثلاً غبناً لطرف لصالح طرفٍ آخر.. ما معنى ذلك أن المستكبرين لو قبلوا بهذا الهدى ، وهذا الحق وهذا الدين لخسروا وغُبِنُوا..لا.. البشرية بشكل عام تستفيد وتنتفع ، تتحقق لها الحياة الطيبة ، تتحقق لها - في واقعها في الحياة - العزةُ والكرامةُ والخير كل الخير في الدنيا والآخرة.. ، ولكن المستكبرين أرادوا ، أو لديهم حتى مفهوم آخر لما يفترضونه لأنفسهم..

وهذه المشلكة ، مشكلة الارتباط بالمستكبرين ، الانجذاب للمستكبرين ، التأثر باللذين استكبروا ، التوجه الاعمى نحو الجانب المادي او الرغبات او العوامل التي يرى فيها الآخرون عوامل القوة ، كانت المؤثرة في مجتمع مكة ، فأكثرية هذا المجتمع عندما أتى الاسلام وبُعث الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ، كان لهذا المجتمع فرصة مهمة جداً أن يكون هو النواة الأولى التي يتشكل منها المجتمع الاسلامي ، وتبنى من خلالها الرسالة الإسلامية بكلها ، وأن يكون القدوة لبقية المجتمعات والحامل الأول لهذا المشروع العظيم ، فيشرُف بهذا الشرف ،.. ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن رسالته ، عن كتابه ، عن قرآنه : ( وإنه لذكرٌ لك ولقومك).. شرف كبير ، مشروع عزة ، مشروع كرامة ، مشروع ارتقاء.. ،
ولكن هذا المجتمع لم يستفد من هذه الفرصة ، لم يقبل بهذا الشرف ، حتى لم يرى فيه شرفاً.. ، كانت موازينه مختلة ، رؤيته عمياء ، فهمه للأشياء فهمٌ مغلوط.. ، فكانت عنده حالة الاستكبار ، الارتباط بالمستكبرين.. ، المستكبرون انفسهم كانوا هم في الطليعة صادّين ، ومستكبرين ، ومعارضين ، ومثبطين ، ومعادين بكل ما تعنيه الكلمة ، وكانت لهم دوافعهم - الاستكبارية بالطبع -.. ، يقولون فيما يقولون: ( أأنزل عليه الذكر من بيننا) ، كيف ينزل عليه؟.. هو ليس أثرانا مالاً ، ولا أقوانا سلطةً ، فكيف ينزل عليه الذكر - القرآن ، الوحي الإلهي - من بيننا ، لأنهم كانوا يرون قيمة الانسان وأحقيته بالاتباع بقدر ما لديه من ثروة ، من قوة ، من إمكانات ، حينها يرون فيه هو الذي يجب أن يُتّبع.. ، ( أأنزل عليه الذكر من بيننا).. ، ليس عندهم اعتبارات للقيمة الانسانية ، والقيمة الاخلاقية التي تؤهل لحمل هذا المشروع ، بما يؤهل اللهُ بها رسلَه وأنبياءه.

المجتمع من حولهم يقول كذلك : ( قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم).. ، كانوا هناك في مكة وهناك في الطائف ، أثرياء ، هناك زعامات ثرية لها سلطة ، لها تأثير ، لها أتباع ، لها قوة ، لماذا لم ينزل عليها القرآن.. ، هذه النظرة الغبية والجاهلة.

هذه النظرة التي كانت تقدم الاقتراحات والاعتراضات في نزول الوحي على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، وعلى حركته في الرسالة بهذه الاعتبارات وبهذه المقاييس المادية ، ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) يريد منك أشياء مادية حتى يرى وزنك فيها ، قيمتك فيها ، أحقيتك في الاتباع من خلالها ، أحياناً يقولون " أو يلقى إليه كنز " ( قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ) ، ( لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ) يعني هذا.. لماذا لا يمتلك مثل هذه الاشياء حينها سنتبعه عندما يصبح معه كنز ومداقل وأشياء وثروات ، ننجذب إليه بفعل ما معه من ثروة ، ما معه من إمكانات ، في حالة من الحالات قالوا له: ( أو يكون له بيت من زخرف) لماذا لا يكون لديك قصرٌ من الذهب ، فنرى بريق الذهب فننجذب إليك وننجذب إلى رسالتك ونؤمن بك بقدر ما نرى من بريق ذهبك ، بقدر ما نرى من قصرك.. ، أي نظرة هذه؟.. هي النظرة السائدة لدى الكثير من الناس ، فلا ينجذبون إلا بهذه العوامل بهذه المؤثرات.. ، هذا أثر عليهم ، أثر على ذلك المجتمع فوصل الى درجة قال الله سبحانه وتعالى عنها : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)
الأكثرية في هذا المجتمع وصلوا الى درجة الخذلان ، والعمى الرهيب ، والامتناع الكلي ، والانصراف الشامل عن تقبل هذا الدين ، عن تقبل هذا الحق ، عن الاقبال إلى هذه الرسالة الإلهية التي فيها كل الشرف وفيها كل الخير ، فلم يروا عظيما إلا أبا جهل ، وإلا أبا سفيان ، وإلا تلك الشخصيات والزعامات التي كان لها سلطة وثروة ، كانوا يرون فيهم العظماء ، ولا يرون القيمة في غير ذلك .

في ظرف كهذا ، في مجتمع كهذا ، في بيئة كهذه ، هي بيئة ضياع ، بيئة غير قابلة أن تحمل رسالة الله ، أن تتقبل وتنفتح على المبادئ ، هذه بيئة حيوانية ، بيئة غريزية ، الناس فيها لا يلتفتون ولا يتأثرون إلا بدافع الماديات والاطماع .. ، فقط يرديون أموال ، يريدون ذهب ، يريدون تجارة ، يريدون مصالح ومكاسب مادية على نحو ٍ أعمى ، بانفصال كامل عن المبادئ والقيم والاخلاق ، لم تعد أرضية صالحة لأن ينشأ فيها نبت الاسلام الطيب .. ، فلذلك أتى قرار الهجرة أمراً من الله سبحانه وتعالى في آيات متعددة من القرآن الكريم ( فتول عنهم فما أنت بملوم).. ، وآيات كثيرة في القرآن الكريم أتى فيها الإذن بالهجرة.. ،

في المقابل ، سنة الله في الاستبدال قائمة ، والمشروع الإلهي لا يتعطل ، اذا كان هناك مجتمع منغلق ، خانع وخاضع للمستكبرين ، يعيش التبعية العمياء والانغلاق التام ، لا يسمع ولا يبصر ، لا يهتدي لا يذعن للحق ، لا يقبل بالنور ، فسنة الله في الاستبدال قائمة ، تأتي مجتمعات أخرى ، مجتمعات مختلفة تماماً ، مجتمعات تبصر ، تسمع بالحق ، تتقبل الحق ، لديها في واقعها النفسي والعملي ما يؤهلها للانفتاح على هذا الحق.

بعيداً عن مجتمع مكة ، كان هناك مجتمعاً آخراً ، هو مجتمع المدينة ، مدينة يثرب ، المدينة المنورة ، في هذا المجتمع قبيلتان يمنيتان ، هما الاوس والخزرج ، كان لهما الشرف الكبير والفضل العظيم والدور التاريخي والمهم .. ، هذا المجتمع المكون من هاتين القبيلتين – الأوس والخزرج - ، اختاره الله سبحانه وتعالى بديلاً عن ذلك المجتمع ، ودخل - هذا المجتمع - التاريخ من أوسع أبوابه ، فكان هو المجتمع الذي آوى ، وكان هو الارضية التي نبت فيها نبت الاسلام العظيم والطيب ، وكان هو المجتمع الذي شكّل اللبنة الفاعلة والصلبة والقوية لنشوء الكيان الاسلامي.. ، فهو المجتمع الذي آوى ، واستقبل المهاجرين ، آوى الرسول ونصره ، واستقبل المهاجرين ، وشكّل مع المهاجرين نواة عظيمةً وصلبةً وقويةً لحمل راية الاسلام.. ، فكان له ميزات مهمة.

ونأتي الى بعض الميزات لهذا المجتمع من خلال نصٍ قرآني ونصٍ نبوي ، النص القرآني ، يقول الله سبحانه وتعالى بعدما تحدث عن المهاجرين تحدث عن الانصار : ( والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).. ،

المجتمع في مكة كان مجتمع طمع ، مجتمع مادي ، مجتمع يلهث وراء أن يأخذ بأي حال ، بأي أسلوب ، بأي طريقة.. ، المجتمع في المدينة ، مجتمع الأوس والخزرج ، كان مجتمعاً معطاءاً ، مجتمعاً كريما ً ، مجتمعاً سخياً.. ، فكانت هاتان الحالتان تشكلان عاملاً مهماً في الفوارق الكبيرة بين مجتمع جدير ومهيأ وقابل لحمل هذه الرسالة ، ومجتمع ليس مستعداً لتقبلها.. ،

المجتمع هذا كان على درجة عالية من الاستعداد للتضحية والبذل والعطاء ، مجتمع كريم وسخي بكل ما تعنيه الكلمة.. ، كان في استعداده للعطاء ، في استعداده للتضحية ، في استعداده للبذل ، فيما يقدم ، وفيما يعطي ، كان إلى مستوى هذه الدرجة الفريدة المهمة ( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ).. ، قد يعطي الغني وهو متمكن ، ويعطي قليلاً مما لديه من ثروة وضمن حساباته التي يرى فيها أن ما اعطاه لا يؤثر على ثروته وامكاناته.. ، لكن الحالة التي يُؤْثِرُ الانسانُ فيها على نفسه ، هي الحالة التي يقدم فهيا بقضيته ، يقدم فيها بمبادئه ، بأخلاقه ، يقدم فيها على حساب مصلحته الشخصية ، وهل الانسان خاسرٌ بهذا؟..لا.. ،

هؤلاء الذين هم أهل عطاء ، هؤلاء الذين يحملون روحية العطاء بكل أشكاله ، هم البناة الحقيقيون للمجتمعات الكبرى ، هم الفعالون والمؤهلون لحمل القضايا الكبيرة والمواقف العظيمة والمهمة.. ، هم الاستثنائيون في التاريخ ، هم البناة ، هم المؤسسون ، هم الذين يصلحون لأن يكونوا رافعةً حقيقية للمشاريع الكبرى والمهمة.. ، هم الفعالون والعمليون.. ، اما أولئك فمكبلون بالشح ، بالطمع ، بالجشع ، بالحرص ، لا يؤهلهم ذلك لأن يكونوا راقيين ، إنما يهيئهم لأن يكونوا منحطين ، لأن الطمع والجشع يذل الانسان ، الطمع كما قال الامام علي عليه السلام :" رق مؤبد ". ، رق ، عبودية.. ، الطمع هو مهانة ، هو خزي ، هو خسة ، هو انحطاط ، هو دناءة ، الطمع الاعمى والجشع يهين الانسان ، يذل الانسان ، يجعل الانسان يخضع للباطل او يتجه في صف الظالمين والمستكبرين ، فيمارس معهم وفي صفهم أي جرائم وأي فضائع مهما كانت ، لينال شيئاً منهم.. ،
أما أولئك ، الذين يحملون روحية العطاء والبذل ، هو يفكر في كيف يقدم.. ، هو يقدم حتى من الظروف الصعبة جداً ، هؤلاء هم الصادقون ، هم الاستثنائيون ، هم الاقدرون على حمل المشاريع المهمة والكبرى. ، هذه ميزة هيأتهم لحمل الرسالة الإلهية .

النص النبوي فيما روي عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وهو يقول لهم ، يثني عليهم : " إنكم ما علمتم – يعني كما أنتم تعلمون وتعرفون أنفسكم – تكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطمع".. ، الله اكبر ما اعظم هذه الصفة.. ، رجال ، رجال بكل ما تعنيه الكلمة.. ، ثكثرون عند الفزع ، عند الاخطار وعند التحديات تهبون وتتحركون وتظهرون وتأتون وتهبّون.. ، أما اذا المسألة مسألة اطماع ومصالح شخصية " تقلّون" ، ليس هناك ازدحام من جانبهم اذا المسألة مسألة غنيمة ومكاسب مادية ، ليس هناك ذلك الازدحام وذلك التهافت كما يفعل البعض.. ، البعض اليوم يتهافتون ويذهبون الى البعيد ، الى حيث الاطماع ، الى حيث يقدمون أنفسهم ، وإنسانيتهم وأخلاقهم وقيمهم وشعوبهم وبلدانهم للبيع.. ، للبيع في مزادات الطغاة ، مزادات علنية.. ، أسواق اليوم كبيرة في الدنيا الذي يباع فيها الكثير من الناس ، يبيعون فيها انفسهم وانسانيتهم واخلاقهم وكرامتهم وقيمهم وشعوبهم واوطانهم واعراضهم.. ،

هذه الروحية العالية ، تكثرون عند الفزع.. ، الكثير من الناس يتهربون عند الفزع ، ينكمشون عند الفزع ، يتنصلون عن مهامهم في المواقف وعند الشدائد ، لكن يتميز الرجال الأصيلون ، الحقيقيون ، الذين يختزنون في وجدانهم ومشاعرهم الكرامة والعزة والإباء والانسانية والضمير.. ، الذين تمتلئ قلوبهم إيماناً بالله وإيماناً بيومه الآخر ، إيماناً بالمبادئ ، إيماناً بالقيم ، يرون أن هذه الحياة لا قيمة لها إلا بقيمة المبادئ ، بقيمة الاخلاق ، وإلا تساوى فيها الانسان والحيوان وكان الانسان أحياناً أضل : " إنهم إلا كالانعام بل هم أضل " ، " كمثل الحمار يحمل أسفارا" ، " كمثل الكلب إن تحمل عليه تلهث أو تتركه يلهث" .

كانوا على هذا المستوى كما قالوا هم عن أنفسهم يخاطبون رسول الله : " وإنا لصُبُرٌ عند الحرب ، صُدُقٌ عند اللقاء ".. ، كانت هذه المواصفات والروحية العالية التي أهلتهم لأن يكونوا المجتمع الذي يحمل رسالة الله ، يحمل راية الاسلام ، يؤوي وينصر ويستقبل ويحتضن ويتحرك بكل جدية ، يعطي لهذه الرسالة كل شيء ، يعطي النفس يعطي المال ، ولكنه في المقابل كسب كل شيء .. ، كسب رضى الله ، كسب العز الأبدي ، كسب الشرف الذي لا يساويه شرف ، كسب المكانة التاريخية ، وحقق الله على يديه الكثير.

نحن في هذا المقام وبطبيعة الظروف التي يواجهها شعبنا اليمني ، وباعتبار التحديات التي تواجهه .. ، نحن نقول عن مجتمعنا اليمني أنه امتداد للأنصار ، أن كل الشرفاء وكل الاحرار في هذا البلد هم الامتداد المبدأي الاخلاقي القيمي للأنصار ، لـ " الأوس والخزرج " ، القبيلتان اليمانيتان،.

الآن هناك الكثير من القبائل في هذا البلد تذكرنا بالأوس والخزرج ، تذكرنا بالانصار ، وهي كما كان الانصار ، نرى في رجالها أنهم صُبُرٌ عند الحرب ، صُدُقٌ عند اللقاء ، نرى في رجال شعبنا ونساء شعبنا ، هذا الشعب المؤمن ، هذا الشعب الذي ينتمي للاسلام انتماء ً اصيلاً ، هذا الشعب الذي قال عنه الرسول : " الايمان يمان ، والحكمة يمانية " ، نرى في الكثير الكثير من رجاله ونسائه ، في عطائهم ، في صبرهم ، في روحيتهم العالية في مواجهة التحديات والاخطار ، في عزتهم وكرامتهم وشموخهم مع كل ما يعانون ، نرى فيهم مجتمع الأنصار ذاك الذي يقول عنه الله سبحانه وتعالى : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ".. ، حتى عند الظروف القاسية ، قومٌ لا تحنيهم ولا تركعهم ولا تخضعهم الظروف القاسية ولا الشدائد ، فهم الصُبُر ، هم الصابرون ، وهم الاعزاء في كل الاحوال والظروف ، البعض قد يكون عزيزاً وكريماً وحراً وشريفاً وإنساناً ، لكن بشرط ألا يواجه شدائد وألا يعاني من ظروف اقتصادية ، أما اذا كان سيعاني من ظروف اقتصادية او يواجه شدائد أو أخطار فإذا به يتغير ، فإذا هو ذليل ، إذا هو دنيء ، إذا هو منحط ، إذا هو خانع ، لأن القيم لا تتجذر في وجدانه في مشاعره ، هي كانت حالة تفاعلية ، يعيشها في حالة معينة ، فأول ما تتغير الظروف ، تتغير الاحوال ، يتغير تماماً .

نحن بحكم انتمائنا للاسلام ، وهو الانتماء الذي نعتز به ، نفتخر به ، نتشرف به ، بالرسالة الإلهية ، نتعلم من هذا الاسلام ، من مبادئه ، من قيمه ، من قرآنه ، من الاقتداء بنبيه ، نتعلم كيف نكون في هذه الحياة ، في كل ظروفها ، في كل مراحلها ، وكيف نواجه التحديات .. ، والهجرة بنفسها كانت شكلاً من اشكال مواجهة التحديات .

الانصار واجهوا التحديات يوم الاحزاب ، وواجهوها في كل مراحل الاسلام ، منذ أن وصل اليهم الرسول صلوات الله عليه وعلى آله . ، الانصار واجهوها بالقيم بالمبادئ بالاخلاق التي تشكل عند الإنسان في توجهه وفي فهمه للواقع ، وفي اختياره لخياره في الحياة ، تشكل ضمانة على استقامته وعلى الحفاظ عليه ، والتي أيضا لها أثر كبير في أن يكون عظيم الامل بالله سبحانه وتعالى ، قوي الثقة بالله سبحانه وتعالى ، مستمداً قوته من ايمانه بالله ، من اعتماده على الله ، من توكله على الله ، من ثقته بصدق وعد الله سبحانه وتعالى.. ، لان الانتماء الصادق والواعي للاسلام ، هو يثمر شعوراً بالارتباط الوثيق بالله سبحانه وتعالى.. ارتباط المتوكل على الله ، " وعلى الله فليتوكل المؤمنون" ، ارتباط المصدق بوعد الله الذي ينصر عباده المستضعفين حينما ينهضون بمسئوليتهم ، حينما يكونون هم في واقعهم العملي وفي تحملهم للمسئولية كما ينبغي.

كيف كان الاسلام.. ، هل كان الرسول في حركته اتكالياً لا يعمل ، لا يضحي ، لا يقدم ، لا يصبر ؟.. ، مع أولئك الذين شكلوا النواة الاولى للاسلام لحمل الرسالة الإلهية.. ، لا.. ، كان تضحية ، كان عملاً ، كان تقدمةً من المال والنفس ، وبهذا تحقق النصر .. ، لهذا نشأ الكيان الاسلامي الذي آنذاك اسقط امبراطوريات العالم ، الامبراطوريات التي كانت قائمة.

الاسلام بكل ما فيه من مبادئه الاصيلة النقية ، من قيمه وأخلاقه ، من تعاليمه الصحيحة غير المحرفة ، هو يشكل ضمانة لبناء الانسان لمواجهة كل التحديات..

وللإصرار على التحرر.
نحن نقول أن مشكلتنا في هذا العصر هي مشكلة كل الأمم وكل الاقوام على مدى التاريخ ، أساس هذه المشكلة ، منبع هذه المشكلة ، سبب هذه المشكلة ، سعي المستكبرين للسيطرة المطلقة على عباد الله ، وسعيهم هذا فيه ظلم ، فيه اضطهاد ، فيه اذلال ، فيه قهر ، فيه استعباد بما تعنيه الكلمة ، فيه إذلال للناس ، للشعوب ، للأمم ، للأقوام.

المستكبرون في كل عصر ، بكل اشكالهم وفئاتهم كانوا هم من يسعون دائماً لاضطهاد الشعوب والأمم.. ،
اليوم نجد في الاستكبار الامريكي ، الاستكبار الاسرائيلي ، وفيمن التحق بهم وعبّد نفسه لهم ، وتحرك في صفهم نفس المشكلة ، هم يسعون الى اضطهادنا كشعوب ، الى الاستعباد لنا كشعوب ، الى القهر لنا كشعوب ، الى الاذلال لنا كشعوب ، الى التحكم الكامل بنا كشعوب ، النهب لثرواتنا ، الاستغلال لنا ، حتى نكون مجرد أداة لهم ، ثرواتنا تذهب لهم ، خيراتنا تذهب لهم ، أما نحن فنكون عبارة عن مجندين نُستغل كما يشاؤون ويريدون.

هذه نفس المشكلة.. والمعاناة في جانب المستكبرين وفي جانب من يُستعبد لهم من الضعفاء والشعوب المستضعفة والاقوام المستضعفة ، اختلال في المبادئ ، اختلال في القيم ، اختلال في الاخلاق ، اختلال حتى في الضمير الانساني.
فالضعيف أو المستضعف الذي حسب نفسه ضعيفاً فسخر نفسه ليستقوي به المستكبرون ، لديه اختلال كبير جداً.
وعندما نتأمل في واقعنا اليوم ، في واقع الصراع ، الحالة نفسها ، الكثير من الضعفاء يعبدون أنفسهم فيكونوا مجرد عبيد أذلاء وخانعين للذين استكبروا.. وقد تكون الحالة احيانا طبقات ودرجات. ،
لو نأتي الى واقعنا اليوم في بلدنا ، دع عنك بقية الأمة وبقية الشعوب ، نرى الكثير ممن عبدوا أنفسهم لعبيد أولئك ، يعبدون انفسهم لعبيد ، وهكذا بالتدريج.. ، ترى العميل المنافق الخائن لبلده وشعبه يعبد نفسه للسعودي للنظام السعودي ، أو للاماراتي للنظام الاماراتي ، وذاك هو الآخر يعبد نفسه للأمريكي ، والأمريكي ذاك هو الآخر يعبد نفسه للوبي الصهيوني المتحكم فيه في بلده ، وذاك في النهاية يعبد نفسه للشيطان ، عبودية على مراحل ولكن منتهاها الشيطان.. خسة ، حقارة.

نأتي اليوم في هذا المقام ومن هذا الوعي ومن خلال هذا الفهم القرآني ، لنقول لكل الفئات ولكل الناس الذين آثروا في بلدنا ، آثروا أن يجعلوا أنفسهم عبيداً لأولئك ، ما الذي حققتم؟... ، وحتى للبعض الذين رفعوا شعارات معينة أو عناوين معينة أو قضايا معينة جعلوها مبرراً لأن يكونوا في صف العدوان.. ، ما الذي حققتم حتى لعناوينكم؟..
نقول للبعض في الجنوب: ما الذي حققتم حتى لعناوينكم التي جعلتموها مبرراً لأن تكونوا في صف العدوان؟!!!.. في النهاية ما الذي أنتم عليه؟!!..في النهاية ما الذي عليه البعض في الجنوب والبعض في المناطق الشرقية في الشمال ، ما الذي أنتم عليه..
الذين في الجنوب من الذين وقفوا في صف العدوان ، وإلا احترامنا للكل هناك من الذين لم يقفوا في صف العدوان وكانوا ضحية لخيانة البعض أو غباء البعض.. ، ما الذي حققتم لعناوينكم؟..

الحال الذي أنتم عليه اليوم ليس إلا أنكم تحت الإمرة المباشرة للإماراتيين ، هم قادتكم اليوم ، هم زعماؤكم اليوم ، هم رؤساؤكم اليوم ، هم اصحاب القرار فيكم اليوم ، اليوم هم يتحكمون بكل المنشآت المهمة في الجنوب .. ، المطارات المهمة تحت هيمنتهم لا يدخل إلا من يريدون ولا يخرج إلا من يريدون ، الموانئ كذلك ، السيطرة التامة لهم على الاجهزة الامنية هناك - تحت مسماها ولو أنها ليست بالفعل اجهزة امنية - الكل هناك يخضعون لأمرهم وقراراتهم ، لا يعين مسمى مدير أمن أو مسمى محافظ إلا برضاهم ، لا يقرر قرار إلا بعد العرض عليهم.

أنت يا ذاك في الحراك ، أو في اي فصيل من فصائل الجنوب ، هل ترضى لنفسك بهذا الدور : مجرد مأمور للإماراتي الذي جاء من بعيد ، على ارضك ، على بلدك.. ، انت من كنت تتحرك تحت عناوين عنصرية ومناطقية ضد الشماليين كشماليين وهم اخوتك في الانسانية وفي الاسلام ، وفي الوطن ، و إذا كان لك مشكلة مع البعض لم يكن لك من مسوغ ولا مبرر أبداً لأن تعم الجميع وأن تعادي الجميع ، وأن ترفع عنواناً مناطقياً او عنصرياً .. أنت اليوم تخضع للإماراتي الاجنبي ، المحتل لبلدك ، أنت تخضع له ، هو هذا الذي يأمرك ، وهذا الذي هو يأمرك من الامارات ضابط او مسئول ، وهو صاحب القرار عليك ، على رأسك في مايشاء ويريد ، لا تمتلك الحرية ، أنت اليوم مسلوب الحرية ، وهو بذاته هذا الاماراتي الضابط ، الآمر عليك في وطنك ، في معسكرك ، في مدينتك ، في مطارك ، في موانئك ، حتى في بيتك هو الآمر عليك وصاحب القرار فيك ، هو بنفسه ليس سوى مأمور ذليل وخانع للأمريكي ، ففوقه هناك الاستخبارات الأمريكية ، الضباط الامريكيون ، المسئولون الامريكيون.. ، ترى كيف نزّلوك الى خانع وخاضع لمن هم خاضعون وخانعون للأمريكي .

والبعض كان بحكم انتمائه الاشتراكي أو الشيوعي أو اليساري كان يتحدث لسنوات طويلة عن الامبريالية الامريكية وعن الامريكيين وعن وعن.. ونسمع الكثير من هذا منهم ، واليوم و لا كلمة ، لا امبريالية ، ولا هم يحزنون ، خنعوا بالكامل ، مع احترامنا للأوفياء منهم الذين لم يكن موقفهم كموقفهم ، لكن البعض منهم ، الكثير منهم ، هم هكذا.. ،
أنتم اليوم مسلوبوا الحرية ، مسلوبوا القرار ، أنتم فعلياً تحت الاحتلال ، حتى ولو مجدتم هذا الاحتلال .. ، اليوم وضع البعض مِنَ الذين يرون في أنفسهم أنهم قد صاروا مسئولين في الجنوب ، لا يختلف بأي حال من الاحوال عما كان عليه حال السلاطين أيام الاحتلال البريطاني ، أولئك الذين مجدوا الاحتلال البريطاني لأنهم كانوا مسئولين تحت هيمنته ، تحت سيطرته ، في خدمته ، لكن التاريخ ماذا حسبهم؟.. ، هل حسبهم احراراً ، هل حسبهم أعزاءً ، هل حسبهم كما حسبوا أنفسهم ، هل سماهم بعناوينهم التي اختاروها وبرروا بها عمالتهم للبريطاني ، أم أن التاريخ قدم لهم وصفاً آخر ، وتسميات أخرى ، وحكم عليهم بحكم مختلف.

إن التاريخ لن يحكم لكم اليوم يا من تقبلون بهذا الاحتلال الاجنبي وهذه الهيمنة الاجنبية ، وهذا التحكم بكم ، وهذه الهيمنة على ثرواتكم وتوقعون تلك العقود الجائرة ، عقود تستأجر أرضكم بالثمن البخس ، تحت مسمى استئجار وليس استئجاراً ، إنه احتلال.. ولا يختلف أبداً عن حالة من حالات الاحتلال.. ، في سقطرى وفي حضرموت وفي مناطق أخرى من الجنوب ، اليوم أنتم توقعون على عقود هي بيع لأرضكم لثرواتكم وثروات وطنكم ، بالثمن البخس ، أنتم الاخسرون ، الذي ربح ليس هو أنتم..

البعض منكم قد يرى نفسه عبقرياً يوم أتى بالأجنبي الى بلده ، ويوم رأى نفسه لا يستطيع ان يتخذ أي قرار الا بعد موافقة ذلك الاجنبي!!!... قد يرى نفسه عبقرياً أنه نجح في ذلك.. ، ليست عبقرية ان تبيع نفسك ، ان تبيع ارضك ، ان تبيع ثروتك.. والله ان الذي يعطونكم من الفلوس لا يساوي شيئاً بجنب ما يأخذونه ويريدونه من الثروات على مدى المستقبل.. أُولئك القوم حسبوا حسابَ المستقبل ،
يا قوم: اعرفوا ما هو الذي تقدمونه لهم ، إنكم تخسرون ، إن الذي يعطونكم هو القليل من الأموال ، لكن الذي يريدونه هو الكثير الكثير من الثروات المختزنة في باطن الأرض في حضرموت وفي شبوة ، وهو ما يمكن أن تكسبوه أنتم لو كنتم أحراراً واخترتم لأنفسكم سبيلَ الحرية ، لَكنتم أنتم من تستفيدون من هذه الثروة ، لا أن تعطوها لهم مقابلَ القليل القليل.

كان بالإمْكَان أن تكونوا أحراراً ، وأن تكونوا مع بقية وطنكم ، من يستفيد من كُلّ ما هنالك من ثروات وامتيازات تسابق عليها أُولئك؟.. ، لم يأتوا وهم يتسابقون خدمةً لكم ، حناناً عليكم ، اهتماما بكم ، وتزاحموا عليكم كُلٌّ يريد منهم أن يكونَ هو الذي يخدمكم ،..لا.. ، الأمريكي يحتاج أن يتدخلَ ليوزع الأدوار ، من المزاحمة ، هل تظنون أنهم يتزاحمون أيهم يقدم لكم خدمة أكثر؟.. ، ما بين السعودي وما بين الإماراتي وغيرهم ،..لا ، ليس الأمر كذلك ، هم يتزاحمون على موانئكم؛ لأنها استراتيجية ومهمة يمكن أن تشكّل لهم ثروة مهمة في المستقبل ، على المناطق التي لديهم عنها هم معرفة استكشافية بما فيها من المخزون الهائل ، النفطي الواعد في المستقبل ،.

لماذا لا تحسبون حساباتكم بالشكل الصحيح؟.. حتى بَعيداً عن المبادئ ، بَعيداً عن القيم ، بَعيداً عن الأَخْلَاق ، بحساب الدنيا أنتم خسرتم ، بحساب المصالح العمياء والأطماع أنتم خسرتم ، واللهِ لم تربحوا لا بحساب الدين ولا المبادئ ولا الأَخْلَاق ولا الإنْسَانية ولا بحساب الدنيا والأطماع ، بعتم الكثير الكثير ، والمهم والأهم ، وحصلتم على القليل التافه ، اليسير ، بيع بخس ، بخس ، وغبن ، غُبِنتُم بشكل كبير جداً.

في المناطق الشرقية كذلك هو الحال.. ، المناطق الشرقية السعودي يطمع فيها ، الأمريكي يطمع كذلك وعن طريق السعودي يشغّلُه ، وشركات أمريكية حاولت في الماضي ، والسعودية كان لها دور كبير في منع أيّ نشاط في بعض المناطق الشرقية ، في الجوف السعودية منعت لمرات متعددة أن يكون هناك نشاط لاستخراج النفط في الجوف ، حتى تضمن أن يكون هي أول من يستفيد منه ، وتريد كذلك في مناطق أُخْــرَى ، في المناطق الشرقية ، لها هذه الأطماع ، وكان بالإمْكَان للطامعين هناك ، الأغبياء الذين باعوا أنفسهم بالثمن البخس ، وباعوا أوطانهم بالثمن البخس كذلك أن يفكروا حتى بحساب الدنيا ، وبحساب الربح والمصلحة ، وبحساب الطمع والجشع بطريقة صحيحة.

يا قومُ كونوا عقلانيين حتى بحساباتكم القائمة على الطمع والهلع ، ولا تنطلقوا من منطلق الخسران ، الرخص الدناءة ، ولكن البعض ، البعض مفلس ، مفلس إنْسَانياً ، دنيء النفس ، دنيء النفس ، لا يثق بنفسه ، لا يثق بشعبه ، لا يثق بمجتمعه ، لا يرى في مجتمعه اليمني بكله إلا أنه مجتمع يؤدي هذا الدور.

اليوم ماذا أصبحتم؟ كلكم.. ، من عبدربه إلى أصغر واحد ، أصبحتم مجرد مأُمُوْرين ومرتزِقة ، الأمريكي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور ، الإماراتي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور ، السعودي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور ، للأسف نحن نأسى لحالكم أن تقبلوا انتم لأنفسكم أن يكون هذا كُلّ ما تحصلون عليه ، مأُمُوْرين ، تنتظرون الأوامر والتوجيهات من السعودي ، وهو ينتظرها من الأمريكي ، من الإماراتي وهو ينتظرها من الأمريكي.. ، خسئتم بهذا الحال ، فكروا ،.

لكن بقية الشعب اليمني ليس حاله كحالكم ، الكثير الكثير من أَبْنَاء هذا الشعب ليسوا دنيئين كما أنتم ، لا يرضون لأنفسهم بهذا الواقع الذي رضيتموه لأنفسكم ، لا يقبلون إلا أن يكونوا أحرارا ، وأن يكونوا أعزاء وأن يكونوا شرفاء ، بالإنْسَانية ، بالفطرة وبالدين والإيمان ، بالانتماء وبالهوية ،.
أنتم لم يعد لديكم مبالاة بالهوية ، البعض منكم أصبح يمجد النظام السعودي أكثر من شعبه بصراحة ، البعض حاضر ، إنما السعودي محرج وإلا البعض قالوا له ، يا أخي شل بلدنا ، شل حضرموت واحسبها لك ، نحن نريد الانضمام تحت لواء التوحيد ، البعض منكم عمل هذا ، يعني ناس مفلسون ،.

البعض في المناطق الشرقية هكذا ، ليس عنده مانع ، البعض والله لو قتل السعودي ، النظام السعودي ، أَوْ الأمريكي أَوْ أيٌّ كان لو قتلوا أمه وأباه وأخاه لما استثاروا فيه أيَّ حمية ولا ضمير ، هم يقتلون الآلافَ من الأطفال والنساء في مجتمعه ولا يبالي ، متبلد الإحساس ، لم يعد لديه حتى إنْسَانية ، لكن هذا الشعب ، فيه الكثير الكثير ، فيه الأغلبية الساحقة ، من أُولئك الذين وجدناهم حتى مع هذا الحصار الاقتصادي وهذه الحرب الاقتصادية ، رأينا الكبير في السن ، الطاعن في السن رجالاً ونساء ، شيبة وعجوزاً يخرج ليتبرع للبنك المركزي مما يملك وهو يملك القليل القليل من أقسى الظروف.

رأينا الطفل وهو يقدم جُعالته ، رأينا رب الأسرة وهو يُخرج من قُوت أسرته ، يتبرع للبنك المركزي ، ورأينا البعضَ من التجار الشرفاء وهو يذهب ليودعَ من أمواله ، هذا هو الشعبُ اليمني الذي شاهدناه في التلفاز معطاءً وكريماً وسخياً ، وهو الذي شهدناه أَيْضاً في ميدان الشرف ، في ميدان البطولة ، رأينا رجاله وتصب عليهم آلاف القذائف ، آلاف الصواريخ ، آلاف القنابل التي هي من أعتى وأفتك أنواع الأسلحة المصنعة حديثا بكل أشكالها وأنواعها ، فلا يبرحون الأرض إلا شهداء ، وحينما تصل جثامينهم الطاهرة إلى مناطقهم يستقبلهم أهاليهم وتستقبلهم أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم ليزفوهم وكأنهم في مقام عرس ومناسبة عرس بكل عزة بكل إباء بكل شموخ ، .

ونرى دائماً الصبر ، الأسر الكثيرة التي قدمت معظم رجالها وهي صابرة شامخة ثابتة ، لم تهن ، ولم تضعف مع كُلّ المعاناة ، لكن صبر ، صُبُرٌ عند الحرب ، صُدُق عند اللقاء.. ، هكذا كانوا كما كان آباؤهم وأوائلهم تحت راية رسول الله ، هم اليوم كذلك تحت راية الإسْـلَام في مواجهة قرن الشيطان ، إن الرسول هو الذي سماه قرن الشيطان ويجب أن نسميه بهذه التسمية ، وأن نتحدث عنه بهذا التوصيف ، لأنه يمثل لعنة تاريخية له بكل ما يرتكب من ظلم وإجرام وطغيان يتودد به إلى أمريكا ، وغريبٌ حالهم.

والله إن حالَ كُلّ العملاء في مختلف فئاتهم غريباً جداً ، الذي يجازيه به الأمريكي هو المزيد من الابتزاز ، والمزيد من الابتزاز ، وهكذا ، كلما تودد أكثر ، كلما قدم خدمات أكثر ، كلما ابتزه أكثر ، وكلما استحوذ عليه وطمع فيه أكثر وأكثر ، والحال واحدة عند الإماراتي وعند السعودي ، عند السعودي أكثر.

القانون الذي أصدرته أمريكا ، هذا القانون هو قانون سيء ، وخطير على كل بلدان العالم الإسلامي ، ولكن الخسارة فيه أكبر على عملاء أمريكا ، الآخرون لا جديد بالنسبة لهم ، أمريكا تعاديهم ، أمريكا تستهدفهم ، أمريكا وإسرائيل تستنهض كُلّ العالم ضدهم.. ، لكن العملاء: هكذا تقابلكم أمريكا رغم كُلّ ما عملتم ، راجعوا حساباتكم ، صححوا توجهكم.

أما لشعبنا اليمني فأقول ، في مواجهة كُلّ هذه التحدّيات ، وفي مواجهة التحدّي الاقتصادي نتيجة الحصار ، نتيجة التدمير ، نتيجة المؤامرات والمكائد ، نتيجة نقص الوعي عند البعض من رجال المال والأعمال ، نتيجة تراكمات ، التي هي تراكمات لعقود من الزمن ، نتيجة الاستهداف والمكائد التي لها أشكال وألوان ، نحن اليوم معنيون بالثبات والثبات ، وبالصبر وبالتضامن وبالتعاون وبالتوحد ، وبتضافر الجهود ، ونحن اليوم أمام فرصة تاريخية لأن يكون مخاضُ هذه التحدّيات وهذه المعاناة ولادةً جديدةً لشعبنا اليمني ، ولادةً ، وتحركاً وانطلاقةً نحو المستقبل ، من مخاض كُلّ هذه الآلام والمعاناة ، تحركاً عظيما وفاعلا وقوياً ، بأبهة وعظمة وقوة ، وبزهو ومقام وشرف ذلك التحرك الذي تحرك به الأنصار ، من مخاض آلام وأوجاع ومعاناةٍ وتضحيةٍ وتقدمةٍ من النفس والمال تحت راية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،.

اليوم في مواجهة قرن الشيطان ، في مواجهة التحدّيات ، نتيجة العدوان الأمريكي السعودي ، نتيجة كُلّ هذه الحرب الشاملة على كُلّ المستويات ، نحن معنيون بالتحرك الجاد نخباً وجماهير.

وعلى النخب اليوم مسؤولية ، وأنا أقول للنخب: هناك البعض جاد ومهتم وعملي ، لكن الحالة السائدة لدى الأغلب ، لم يصل البعض إلى مستوى المسؤولية ، ولا إلى مستوى التحدّي ، ولا إلى مستوى الواقع ، الذي تفرضه علينا المسؤولية أكثر والذي بمقدوركم أكثر ، كونوا عند مستوى ما يمكن أن تقدموه ، وفي مستوى ما يؤمل منكم.

في كُلّ المجالات ، الأكاديميون اليوم معنيون بمختلف فئاتهم ، توجهاتهم ، مجالاتهم ، أن يتحركوا ، بقية الفئات ، بقية التكوينات الاجتماعية معنية أن تتحرك ، كما يتحرك كُلّ أُولئك الجماهير ، والله تتحرك وتبذل الشيء العظيم ، وأنتم رأيتم كيف كان تجاوبهم في موضوع البنك والتعاون مع البنك ، نحن معنيون اليوم أن نتحرك جميعا ، خيارنا هو الثبات ، هو العمل الجاد .

هناك الكثير من الأمم تحركت حتى غير مسلمة كما قلنا في كلمة سابقة ، وولدت من مخاض أحداث كبرى ، وأوجاع كبرى ، وحتى من مجاعات وقتل وحروب وواقع أسوأ مما نحن فيه ، و وُلدت أممٌ كبيرة في الأرض ، لا حاجة لي إلى ذكر الأمثلة ، أنا أخاطب الأكاديميين أن ينشطوا حتى في حلقات ، وكذلك في التلفزيون ، في الصحف ، في النشاط الميداني بين أَوْسَاط المجتمع ، ووفق رؤية مدروسة وتحرك واضح ، ليقدموا الدروس ، العبر ، الأمثلة ، الشواهد ، التجارب للأمم الأُخْــرَى ، ولكن نقول أن الهجرة النبوية ، أن حركة الإسْـلَام الأولى تمثل درسا مهما ، إن الله قال : (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) ، كُلّ الأَنْبيَاء كان لديهم أعداء ، كُلّ نبي - مع ما عليه النبي من عظمة من أَخْلَاق من قيمة إنْسَانية ، من مقام إيماني ، من مقام الرسالة العظيم - له أعداء يعادونه ، يقفون في وجهه ، يتحدونه ، يواجهونه بكل المشاكل ، فكيف ذلك؟.. هل كان الأَنْبيَاء يخسرون بذلك؟.. أم أن رسالة الله كانت تقوى بذلك ، والمستضعفون الذين يحملون رسالة الله كانوا يقوون بذلك ، ويدخلون التاريخ من أوسع أبوابه ، (وكفى بربك هادياً ونصيراً).

اليوم المؤسسات الحكومية والمجلس السياسي الأعلى الذي منحه البرلمان الثقة وحمله المسؤولية ، عليه اليوم مسؤولية كبيرة ، وعلى كُلّ أعضائه ، وأخاطب أعضاء المجلس السياسي فردا فردا ، من رئيسه إلى آخر فرد فيه :
" عليكم اليوم مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام هذا الشعب ، على المؤسسات الحكومية مسؤولية كبيرة ، اهتموا بالجانب الاقتصادي ، اهتموا بالجانب الإيرادي ، اهتموا بكل المجالات ، كونوا في مستوى المسؤولية وفي مستوى التحدّي ، وفي مستوى الأمل الذي علّقه عليكم شعبكم ، لا تؤثر على عملكم أية مؤثرات أُخْــرَى ، ولا تصدكم أي أُمُوْر أُخْــرَى أَوْ شواغل ثانوية أَوْ هامشية ، مسؤوليتكم كبيرة أمام الله ، وأمام هذا الشعب "
وبالمناسبة ، المجلس السياسي الأعلى الذي منحه البرلمان الثقة وحمله المسؤولية ، على دول العالم مسؤولية كبيرة ، وهي اليوم أمام امتحان ، أمام اختبار ..، دائما تعلقون موقفكم السياسي باعتبارات دستورية واعتبارات قانونية..، وعلى هذا المسمى : البرلمان اعترف بهذا المجلس ، حمله المسؤولية ، كلّفه ، هو نتاج توافق وطني .

اليوم نقول للعالم كله ، لدول العالم ، أنتم مفضوحون اليوم ، لا يهمكم دساتير ، لا يهمكم قوانين ، لا يهمكم أنظمة ، كله كلام في كلام ، أنتم لديكم اعتبارات أُخْــرَى تتعاملون مع الشعوب على ضوئها ، الشعوب الحرة يمكن أن تكون متفهمة..، البعض منها مضغوط وخانع وخاضع.
أقول لشعبنا وللجيش أَيْضاً: لدى الجميع فرصة ، وعلينا مسؤولية وأمامنا نموذج جاهز ، حاضر ، قائم في أَوْسَاطنا ، هو القوة الصاروخية .

أقول لكل مؤسّسات الجيش ، وكل الذين في الجيش ، لمختلف مكونات الجيش ، والأمن ، ولمختلف فئات الشعب :
أنظروا إلى القوة الصاروخية ، هي تحركت ، رغم كُلّ الصعوبات وكل العوائق وكل هذا الحصار ، وكل هذه السيطرة على الأجواء ، وصنعت الشيء العظيم العظيم ، لو ندرس ، لو نقدم ،- وهذا معني به البعض في الجيش أن يتحدثوا أن يشرحوا للشعب - كيف كان حال القوة الصاروخية ما قبل العدوان .

كان هناك من المعوقات ، ومن المعاناة ، ومن المحبطات الإشكالات الكثيرة ، العوائق الكثيرة ، ما يُصَنّفُ به الاستفادة من القوة الصاروخية الموجودة على أنه في قائمة المستحيلات..، و لكن بفعل الرجال ، بصبرهم ، بثباتهم ، بعنائهم ، بتضحيتهم ، بعملهم ، عمل ، شغل ، جد ، واجتهاد وصبر ، وسعي دؤوب في الليل والنهار ، وقيادة للقوة الصاروخية ، قيادة حرة ، قيادة وطنية ، قيادة مسئولة ، أمكن أن نرى القوة الصاروخية ضاربة وفي طليعة الموقف في البلد ، يدا طويلة وقوية وحديدية وضاربة إلى عمق أُولئك المعتدين ، وأصبحوا يخافون منها ويحسبون لها ألف ألف حساب ، وأصبحت منتجة - بالرغم من كُلّ الحصار وكل المعاناة - منتجة مطورة ، مبدعة مبتكرة .

هذا ممكن في كُلّ المجالات ، وفي كُلّ الاتجاهات ، ما علينا إلا أن نعمل أن نسعى ، لا يجوز للبعض الذين يختارون لأنفسهم إضاعة الوقت في هذه المرحلة الحساسة والاستثنائية والتاريخية والمهمة جدا..، إضاعة الوقت ، إما ( يُرَقّدوا ) ، "والّا" هدرة كذا ، كلام كلام كلام من دون نتيجة ، الوقت وقت عمل ، الوقت وقت تحرك ، الوقت وقت لبذل الجهود على أرقى مستوى ، المسؤولية أمام الله ، المسؤولية أمام أُولئك الآلاف من الأطفال الذين مُزِّقوا إلى أشلاء ، أمام صرخات النساء ، وأمام المعاناة التي يعانيها شعبٌ بأكمله ، والأوجاع التي يعاني منها شعبٌ بأكمله ، المسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التأريخ ، وأمام هذا الشعب .

أقول للجميع : تحركوا ، اعملوا ، ثقوا بالله..، والله إنها فرصة إن تحركنا فيها ، نبتكر ، نبدع ، ننتج ، نوجد البدائل ، نواجه كُلّ التحدّيات ، وكل ما سعينا إلى مواجهة تحدٍ اقتصادي أَوْ عسكري أَوْ أمني ، نبتكر ، نبدع ، نوجد البدائل ، نرتقي فنبتني البناء الصحيح ، والأمم العظيمة هي التي ابتنت تحت ضغط التحدّيات ، فتحولت إلى أمم قوية وفاعلة ، اقروا التأريخ في الماضي والحاضر.

نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يرحَمَ شهداءنا الأبرار ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي جرحانا ويفك أسرانا وينصر شعبنا المظلوم.
والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.

سبأ

  المزيد من (محلي)  

فعالية في مديرية مجزر بمأرب تحشيدا للدورات الصيفية


أمين العاصمة يطلع على تنفيذ الأعمال الاسفلتية بجسر النصر


مجلس القضاء يقر تقارير الأداء للمجلس وأمانته والنيابة وهيئة التفتيش


قيادة محافظة شبوة تنعي اللواء أحمد مساعد حسين


الدكتور بن حبتور يعزي في وفاة المناضل الوحدوي أحمد مساعد حسين


قيادة محافظة عمران تنعي الشيخ حاشد هراش


الإطلاع على سير العمل بعدد من المصانع بالمنطقة الصناعية بمحافظة صنعاء


مناقشة موجهات وأولويات إعداد خطة مشاريع أمانة العاصمة 1446هـ


محافظ عمران يتفقد الدورات الصيفية بمديرية جبل يزيد


تفقد أنشطة الدورات الصيفية بمركز الشهيد القائد النموذجي بإب


خدمات الوكالة شعار المولد النبوي الشريفمدونه السلوك الوظيفي  الدورات الصيفية 1445ھ - 2024م
  مكتبة الصوت
موجز سبأ 19-شوال-1445
[19 شوال 1445هـ الموافق 28 أبريل 2024]
موجز سبأ 18-شوال-1445
[18 شوال 1445هـ الموافق 27 أبريل 2024]
موجز سبأ 17-شوال-1445
[17 شوال 1445هـ الموافق 26 أبريل 2024]
موجز سبأ 16-شوال-1445
[16 شوال 1445هـ الموافق 25 أبريل 2024]
جمعة رجبالموصلات
العدوان الأمريكي السعودي
صعدة.. قوات العدو السعودي تستهدف منزل مواطن في مديرية باقم​
[18 شوال 1445هـ الموافق 27 أبريل 2024]
وزارة الصحة تدين جريمة مرتزقة العدوان في مديرية مقبنة بتعز
[18 شوال 1445هـ الموافق 27 أبريل 2024]
استشهاد ثلاث نساء وطفلتين بغارة لطيران مسير تابع لمرتزقة العدوان بتعز
[18 شوال 1445هـ الموافق 27 أبريل 2024]
استشهاد طفل بانفجار قنبلة من مخلفات العدوان في مديرية صرواح بمأرب
[11 شوال 1445هـ الموافق 20 أبريل 2024]
استشهاد مواطن بقصف مدفعي سعودي في منبه بصعدة
[07 شوال 1445هـ الموافق 16 أبريل 2024]
يمن نتشعار امريكا تقتل الشعب اليمني