برلين - سبأ :
رسم التقرير السنوي لمنظمة "الشفافية الدولية" للعام 2020م، صورة قاتمة عن حالة الفساد في جميع أنحاء العالم ، وبين التقرير كيف تسهم ظاهرة الفساد تلك في تفاقم الأزمة الصحية التي سببها تفشي جائحة فيروس كورونا.
وأوضح التقرير، حول الشعور بالفساد في العالم، الصادر الخميس 28 يناير أن الفساد والوباء متلازمان.
وأكد معدو هذا التقرير أنه "ليس فقط لم يتم إحراز تقدم في مكافحة الفساد في معظم دول العالم فحسب، بل إن أكثر من ثلثي الدول التي شملتها الدراسة حصلت على درجات أقل من 50 نقطة".
ومعروف أنه يتم تمثيل المؤشر السنوي لمنظمة "الشفافية الدولية" بمقياس 1 إلى 100 نقطة وكلما انخفض عدد النقاط التي تحصل عليها دولة ما، زاد اعتبارها فاسدة من منظور المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. هذا التصنيف يجمع بالفعل البيانات المتعلقة بالفساد من 13 مؤسسة مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، وشركة دولية للتنبؤ الاقتصادي تدعى "غلوبال إنسايت".
وتقول ديليا فيريرا روبيو، مديرة المنظمة "إذا كان عام 2020 عاما سيئا فيما يتعلق بمكافحة الفساد، فإن ذلك راجع في جزء كبير منه إلى تفشي وباء فيروس كورونا. "إن جائحة فيروس كورونا ليست أزمة صحية واقتصادية فحسب، بل هي أزمة فساد أيضا. ولقد فشلنا في التعامل معها".
وأكثر من ثلثي البلدان تسجل أقل من 50 درجة على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام، بمتوسط 43 درجة فقط. وتُظهر البيانات أنه على الرغم من إحراز بعض التقدم، لا تزال معظم البلدان تفشل في معالجة الفساد بشكل فعّال.
وتعد الدنمارك ونيوزيلندا، الدولتان الأوليان على مؤشر مدركات الفساد ، برصيد 88 درجة، تليهما فنلندا، وسنغافورة، والسويد، وسويسرا، التي حصلت كل منها على 85 درجة.
وجاءت جنوب السودان والصومال، في أسفل المؤشر ، مع 12 درجة لكل منهما.
ومنذ العام 2012، تحسّنت درجات 26 دولة على مؤشر مدركات الفساد، بما في ذلك اليونان، وميانمار، والإكوادور. وفي الفترة نفسها، انخفضت درجات 22 دولة على المؤشر، بما في ذلك لبنان، وملاوي، والبوسنة والهرسك.
في هذه الأمثلة الستة، نُبلغ عن السنة بين 2012 و2020 التي يكون فيها تغيير النتيجة ذا دلالة إحصائية.
ويقوّض الفساد الاستجابة العادلة لـجائحة كوفيد-19 والأزمات الأخرى، ما يبرز أهمية الشفافية وتدابير مكافحة الفساد في حالات الطوارئ.
وتظهر التقارير استشراء الفساد في سائر مراحل الاستجابة لجائحة كوفيد-19، من دفع الرشى مقابل اختبارات كوفيد-19، وعلاجه وغيرها من الخدمات الصحية، إلى مشتريات الإمدادات الطبية ومجمل الجاهزية لحالات الطوارئ.
ويكشف تحليل منظمة "الشفافية الدولية" أن البلدان التي تحقق أداءً جيداً على المؤشر تستثمر أكثر في الرعاية الصحية، وهي أكثر قدرة على توفير تغطية شاملة وأقل عرضة لانتهاك القواعد الديمقراطية أو سيادة القانون عند الاستجابة لأزمة ما.
وتمثل كل نقطة متوسط درجة مؤشر مدركات الفساد لبلد ما (2012-2017) مقارنة بمتوسط الإنفاق على الصحة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (2012-2017).
والدول التي تحقق أداءً جيداً على مؤشر مدركات الفساد أقل عرضة لانتهاك الأعراف والمؤسسات الديمقراطية.
وتمثل كل نقطة درجة مؤشر مدركات الفساد للبلد لعام 2020، وتمثل الدوائر متوسط درجة مؤشر مدركات الفساد لتلك الفئة بالنسبة لانتهاك الديمقراطية.
والمنطقة التي سجلت أعلى الدرجات هي أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي بمتوسط 66 درجة. المناطق التي سجلت أدنى الدرجات هي أفريقيا جنوب الصحراء (32) وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى (36).
وحتى البلدان التي حصلت على درجات أعلى على مؤشر مدركات الفساد لديها نصيبها العادل من تحديات الفساد، بما في ذلك الافتقار إلى الشفافية في الإنفاق العام خلال الاستجابة لجائحة كوفيد-19.
وكشفت الاستجابة لجائحة كوفيد-19 عن نقاط خلل الرقابة الضعيفة والشفافية غير الكافية. لضمان وصول الموارد إلى من هم في أمس الحاجة إليها وعدم تعرضها للسرقة من قبل الفاسدين، يجب أن تمتلك سلطات مكافحة الفساد ومؤسسات الرقابة الأموال، والموارد، والاستقلالية الكافية لأداء واجباتها.
وخففت العديد من الحكومات بشكل كبير من العمليات التي تفرضها على المشتريات. وتوفر هذه الإجراءات المتسرعة وغير الشفافة فرصة كبيرة للفساد، ولتحويل الموارد العامة إلى غير مقاصدها. يجب أن تظل عمليات التعاقد مفتوحة وشفافة لمكافحة المخالفات، وتحديد تضارب المصالح، وضمان تسعير عادل.
وأدت أزمة فيروس كورونا إلى تفاقم التراجع الديمقراطي، حيث استغلت بعض الحكومات الوباء لتعليق عمل البرلمانات، والتخلي عن آليات المساءلة العامة، والتحريض على العنف ضد المعارضين. للدفاع عن الفضاء المدني.
ومع ذلك، فإن الدول الأفضل تصنيفا من قبل منظمة "الشفافية الدولية" ليست محصنة ضد فيروس الفساد في أوقات الأزمات الصحية.
ففرنسا على سبيل المثال تحتل المرتبة 23 في ترتيب المنظمات غير الحكومية، وهذا لا يمنع من أن يكون "تأثير الأزمة الصحية فيها على الفساد حقيقيا"، كما تقول نديج بوكيه التي تؤكد لنا: "لقد رأينا، على سبيل المثال، ظهور وسطاء ذوي نوايا سيئة سعوا إلى الاستفادة من الوضع عن طريق اختلاس الأقنعة أو المعدات الطبية".
فقبل كل شيء، تضعف الأزمة الصحية الضمانات المعمول بها في فرنسا ضد الفساد. وهكذا تأسف منظمة "الشفافية الدولية" في فرنسا على مناخ الطوارئ الذي يعزز غموض عملية صنع القرار.
وتشير المنظمة إلى أن ما حدث من "حل اللجنة الإعلامية في الجمعية الوطنية بشأن جائحة كورونا يوم الأربعاء يحد من فضاءات النقاش والمساءلة التي تقدم فيها السلطة التنفيذية تقارير عن حسن سير عملها". كما تميل الحكومة نفسها، باسم ضرورة التحرك السريع، إلى تخفيف القواعد المتعلقة بمنح العقود العامة.
والخطر الحقيقي كما تحذر نديج بوكيه ،بحسب فرانس برس، هو "إدامة إجراءات الطوارئ هذه". بالطبع هذه الأخطار ليست مماثلة للأخطار في البلدان الأكثر ضعفا وهشاشة. فهي ليست مسألة حياة أو موت. لكن هذه كلها قرارات تفتح الباب أمام إساءة استخدام محتملة. بالنسبة للبلدان مثل فرنسا والتي لا تقع في أسفل تصنيف منظمة "الشفافية الدولية"، ربما يكون تأثير الأزمة الصحية أكثر مكرا ما قد يهوي بتصنيفها مستقبلا نظرا لتزايد الفساد فيها.