
صنعاء - سبأ:
تعد الزكاة جزءاً من نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، الذي يعتبره حقاً أساسياً من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده.
والتكافل الاجتماعي يعني أن يكون أفراد الشعب في كفالة جماعتهم، وأن يمد كل قادر أو ذي سلطان مجتمعه بالخير للمحافظة على البناء الاجتماعي، وأن التقاعس قد يؤدي إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره.
ويشمل هذا المفهوم التأمين والضمان الاجتماعي والمساعدات، وبالمفهوم الإسلامي أصل من الأصول التي تنظم العلاقات في المجتمع في مواجهة الظروف الاستثنائية العامة أو الخاصة، وتعبير عملي عن الإخوة الإيمانية، وثمرة لتآزر العلاقات الروحية والاقتصادية والثقافية التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم.
ويرى علماء الدين أن الزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء، فالإسلام رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس؛ لكنه لم يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء "طبقة" كتب لها أن تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء "طبقة" كتب عليها أن تموت في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء.
ويؤكد علماء الشريعة الإسلامية أن الزكاة عبادة مالية فيها أهداف روحانية جليلة لمواساة الفقراء ومساعدة المحتاجين بالإضافة إلى أنها طهرة للمزكي وأحد محاسن الإسلام الذي جاء بالمساواة والتراحم والتعاطف والتعاون بين أفراد المجتمع ولقطع دابر كل شر يهدد الفضيلة والأمن والرخاء الذي سببه الحرمان والحاجة.
وأشار العلماء إلى أن الحكمة من مشروعية الزكاة تطهير النفس المسلمة من رذيلة البخل والشح والشره والطمع ورفع الدرجات ومواساة الفقراء وسد حاجات المعوزين والبؤساء والمحرومين وطهره للمال من الخبث وتنميته وحفظه من الآفات.
والمفهوم الشرعي للزكاة حسب علماء الدين تعنى البركة والنماء والطهارة، ورجح البعض أن أصل معناها يرجع إلى الزيادة والنماء ... أما شرعا فتطلق على القدر من المال الذي فرض الله أن يخرج للمستحقين الذين حددهم في القرآن الكريم كما تطلق على عملية إخراج الزكاة نفسها.
وأوضح العلماء أن الزكاة شرعت كإحدى الركائز الأساسية والمقاصد التي ترتكز عليها عقيدة المسلم الصحيحة بل وإنها تقّيم سلوكه الديني والروحاني وتؤكد مدى ارتباطه بما شرعه الخالق سبحانه في نصوصه القرآنية وتعاليمه.
وذكروا أن الزكاة رسم يدفعه الغني لاشتراكه في المجتمع الذي يعيش فيه فهي لسد جوعة الفقير، وتقضي حاجة المسكين، وتمسح دمعة اليتيم وتدخل السرور على قلوب الأرامل والبائسين، وتحمي المجتمع من القلاقل والثورات وتقي من انحراف السلوك، وتشيع السعادة والطمأنينة في نفوس المواطنين ، وتؤلف بين القلوب، وتوحد بين الجهود وتسهم إسهاماً فعالاً في النهوض بالمجتمع
فيما يقول عدد من أساتذة أصول التربية الإسلامية أن الدولة وباعتبارها ولي الأمر المعني بتحصيل الزكاة من المواطنين تعول كثيراً على الإيرادات الزكوية في تنفيذ جملة من المشاريع الخدمية والتنموية والخيرية ومحاربة الفقر وتقديم الضمان الاجتماعي للفقراء والمحتاجين وكفالة الأيتام وإنشاء دور الأيتام والعجزة والمسنين والاعتناء بها ومعالجة أوضاع المعسرين المحكومين بالغرامات المالية ولم يجدوا لمآسيهم حلولاً، إلى جانب تنفيذ العديد من المشاريع الخيرية القائمة على التكافل والتراحم بين الناس عبر الجمعيات والمراكز الخيرية .
وأكدوا أن فريضة الزكاة تمتاز بمكانة رفيعة في الدين الإسلامي ففي حين تعد الركن الثاني من أركان الإسلام فهي الفريضة التي تحقق التكافل الاجتماعي كواحد من أهم المبادئ التي يقوم عليها المجتمع المسلم في كل زمان ومكان وكواحدة من الفرائض السماوية التي أوجب الله على المسلمين تأديتها على أموالهم وأنفسهم فهي لاتقدم طواعية بل إلزاميا من أجل إشاعة التكافل بين القادرين والمعسرين لقوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" .
ويقسم العلماء التكافل الاجتماعي إلى قسمين : مادي ومعنوي، فالمادي هو المساعدة بالأموال كي ينقل المحتاج من حالة الفقر إلى حد الكفاية أو حد الغنى ، كما قال الإمام علي بن أبي طالب "إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم ". أما التكافل المعنوي فيأتي في صور أخرى كثيرة مثل النصيحة، والصداقة، والود ، والتعليم ، والمواساة في الأحزان ، وغيرها من أشكال العطاء .
والغرض الأكبر، والحكمة العظمى من فرض الزكاة - بعد تحقيق العبودية لله - هو تحقيق التكافل الاجتماعي بنوعيه المعنوي، والمادي.
أما تحقيقها للتكافل المعنوي فمن عدة وجوه أهمها أن دفع الزكاة لمستحقيها، سبب لتأليف القلوب، وتأنيس النفوس، وإشاعة جو من التعاطف والتراحم، والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، كما أنها سبب لتحقيق التعارف والتواصل بين المؤمنين، وتأكيد الأخوة والمحبة بينهم، وليس شيء أجلب لمحبة الناس، وكسب مودتهم من الإحسان إليهم، ومد يد العون لهم، وإسداء المعروف إليهم، والسعي في مصالحهم، والتخفيف من آلامهم.
وظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حيث يقول الله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة"، ويقول : "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض".
كما ورد في السنة الكثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على التآخي والإيثار من أجل الآخرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا"، وقال : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "، كما قال صلى الله عليه وآله و سلم : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
وقد وصل إلزام الإسلام للمسلم أن يعطي لأخيه المحتاج إلى الحد أنه إذا لم تكف الزكاة والصدقات فعلى المجتمع ككل أن يشارك بعضه بعضا في الكفاف . كما قال الله تعالى : "كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم"، وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله و سلم : " ليس بمؤمن من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه وهو يعلم " ، كما قال : " أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا ، فقد برئت منهم ذمة الله و رسوله " .
وتلعب الزكاة دوراً مهماً لتحقيق الضمان الاجتماعي وهي كما وصفها الكثير من العلماء مؤسسة الضمان الاجتماعي ، حيث أنها إلزامية و لها مصارفها و قيمتها المحددة .
ويجمع علماء الأمة على أن الزكاة سبب لتنمية الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمعٍ حيث يشعر دافع الزكاة بعضويته الكاملة في الجماعة، وتفاعله معها، ومشاركته في تحقيق مصالحها، وحل مشاكلها، والنهوض بها؛ فتنمو شخصيته، وتزكو نفسه، وينشرح صدره، ويرتفع كيانه المعنوي، ويشعر بسعادة غامرة وهو يواسي إخوانه، ويقوم بواجبه تجاه مجتمعه كما يشعر آخذ الزكاة، بقيمته وقدره، وأنه ليس شيئاً ضائعاً، ولا كماً مهملاً، وإنما هو في مجتمع كريم يعنى به ويرعاه، ويأخذ بيده، ويعينه على نوائب الدهر.
ويؤكد العلماء أن الزكاة تستل سخائم الفقراء، وتزكي نفوسهم من الضغينة والبغضاء، والحسد لأهل المال والثراء، بل تجعل الفقير يدعو لهم بالبركة والزيادة والنماء وبهذا يتحول المجتمع إلى أسرة واحدة، تجللها المحبة والوفاء، ويسودها التعاون والإخاء.