
عواصم ـ سبأ:
لا تخفي الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في السيطرة على النفط السوري على الرغم من قلته المعلنة مقارنة مع دول نفطية كبرى كالعراق وإيران ودول الخليج ،فقد أعلن الرئيس دونالد ترامب ولعه وحبه بالنفط السوري في أكثر من مناسبة، وأنه سيأخذ حصة واشنطن منه.
ولا توجد دراسات علمية دقيقة ومستقلة تماماً عما تملكه سوريا من موارد طاقة،لكن موقع "أويل برايسز" (المختص في أخبار النفط والطاقة ومقره بريطانيا)، ذكر يوم الأربعاء (23 أكتوبر الجاري)، أن إجمالي الاحتياطي النفطي في سوريا يقدر بنحو 2.5 مليار برميل، وما لا يقل عن 75% من هذه الاحتياطات موجودة في الحقول المحيطة بمحافظة دير الزور شرقي سوريا.
وأوضح الموقع أن احتياطي النفط السوري، البالغ 2.5 مليار برميل، ضئيل مقارنةً باحتياطي السعودية، الذي نحو 268 مليار برميل (أكثر من 100 ضعف احتياطي سوريا).
وكانت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تشكل الوحدات الكردية قوتها الضاربة، تسيطر على أغلب آبار النفط منذ عام 2017 في ظل هزيمتها لتنظيم الدولة (داعش) مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وباعت برميل النفط الخام بـ 30 دولاراً يومياً، وتؤمن نحو 10 ملايين دولار شهرياً، بحسب المصدر نفسه.
وكان النفط السوري يقدر إنتاجه بنحو 380 ألف برميل نفط يومياً قبل اندلاع الحرب، وقدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي عام 2016 أن الإنتاج تراجع إلى أربعين ألفاً فقط منذ عام 2011.
ولا شك أن قطاع النفط كان من أكثر القطاعات تضرراً من جراء الحرب الشاملة التي كانت تجري على الأرض السورية، فقد قدرت وزارة النفط التابعة لنظام الأسد خسائره بأكثر من 62 مليار دولار حتى عام 2017.
وأوردت صحيفة الوطن السورية، في 4 أغسطس 2011، أن إنتاج وزارة النفط خلال النصف الأول من ذلك العام بلغ 70.092 مليون برميل من النفط الخفيف والثقيل والمكثفات، وبمعدل يتجاوز 380 ألف برميل وسطياً في اليوم، وبزيادة 957 برميلاً يومياً عن متوسط الإنتاج في النصف الأول من عام 2010.
وأضافت الصحيفة أن إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في النصف الأول من عام 2011 بلغ 5.4 مليارات متر مكعب، بمعدل يومي 30.2 مليون متر مكعب بزيادة مقدارها 3 ملايين متر مكعب في اليوم عن إنتاج النصف الأول من عام 2010.
وتمتاز المنطقة الشرقية على الحدود العراقية السورية، بالإضافة للقريبة من الحدود التركية، بتركز أغلب النفط السوري المكتشف (والمُعلن عنه) فيها، حيث تحتوي محافظة دير الزور على أكبر الحقول النفطية والذي يُعرف باسم "حقل العمر"، ويقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (أو الوحدات الكردية) منذ عام 2017.
كما يوجد "حقل التنك" في ريف دير الزور الشرقي، بالإضافة لحقول الورد، والتيم، ومحطة (T2)، وهي على خط النفط العراقي السوري، والجفرة، وكونيكو، وهذه الحقول بعضها بيد "قسد" وبعضها بيد النظام السوري، وسبق أن سيطر تنظيم الدولة على بعضها في وقت سابق.
وتضم محافظة الحسكة حقل "رميلان"، أحد أبرز الحقول في سوريا، والذي يحتوي على 1322 بئراً، بالإضافة لوجود نحو 25 بئر غاز، وتقع تلك الحقول في مناطق الشدادي والجبسة والهول، بريف الحسكة الجنوبي، بالإضافة للحقول الواقعة بالقرب من منطقة مركدة وتشرين كبيبية، بريف الحسكة الغربي.
أما محافظة الرقة فتضم آباراً نفطية صغيرة وقليلة، كما يضم الريف الشرقي لمحافظة حمص "حقل الشاعر"، وهو من أهم الحقول السورية أيضاً، ويسيطر عليه نظام الأسد بعد أن استفاد منه تنظيم الدولة مدة ليست بالقليلة، ويقدر إنتاجه من الغاز بـ 3 ملايين متر مكعب يومياً.
ويضم ريف حمص بمنطقة تدمر أيضاً، حقول: الهيل، وآراك، وحيان، وجحار، والمهر، وأبو رباح، إضافة لوجود حقول نفطية يستخرج منها نحو 9 آلاف برميل يومياً.
وتتركز المناجم الأساسية قرب تدمر، وبالتحديد في منطقة الخنيفسة. والمناجم الموجودة هناك مرتبطة بخط حديدي حتى ميناء طرطوس، أعاد نظام الأسد الإنتاج مجدداً عام 2017، وبلغ نحو 700 ألف طن العام الماضي، في الوقت الذي كان الإنتاج سنوياً يبلغ 3 ملايين طن.
ويوجد على الأرض السورية صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية التي تسيطر عبر وكلائها وبعض قواتها على أغلب حقول النفط السورية، وروسيا التي تتربع على عرش الغاز الطبيعي السوري في البحر المتوسط بسبب وجود أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط بمحافظة طرطوس غربي سوريا.
وقال الرئيس ترامب أثناء خطاب له مع أنصاره في ولاية " ميسيسيبي" جنوبي الولايات المتحدة يوم الجمعة (1 نوفمبر 2019)، "ليس علينا الدفاع عن الحدود بين تركيا وسوريا، لقد كانوا يتقاتلون لآلاف السنوات، ولكن ما فعلناه نحن هو الاحتفاظ بالنفط"، مضيفاً "سنقوم بتوزيع النفط، وسنساعد الأكراد وأشخاص آخرين، كما سنساعد أنفسنا إذا كان ذلك مسموحاً".
ويوم الأحد (27 أكتوبر الماضي)، قال الرئيس ترامب أثناء حديثه عن النفط السوري: "ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك (سوريا) والقيام بذلك بشكل صحيح... وتوزيع الثروة".
وأشار ترامب إلى أن حماية آبار النفط "تحرم تنظيم الدولة مِن عوائده، فيما سيستفيد منه الأكراد، وممكن أن تستفيد الولايات المتحدة منه أيضاً"، مضيفاً أن "النفط غذّى تنظيم الدولة وعملياته، ويجب أن نأخذ حصتنا الآن".
وسبق أن تعهد ترامب، يوم الخميس (24 أكتوبر 2019)، بأن بلاده لن تسمح لتنظيم الدولة، الذي يتشكّل مجدّداً، بالاستيلاء على حقول النفط شمال شرقي سوريا، مضيفاً أنه سيحتفظ بـ "عدد صغير" مِن القوات الأمريكية في سوريا.
ودخلت تعزيزات أمريكية كبيرة إلى سوريا يوم الاثنين (28 أكتوبر 2019)، واتجهت إلى القواعد الأمريكية القريبة من حقول النفط والغاز في محافظتي دير الزور والحسكة شرقي البلاد.
ونقلت وكالة "رويترز"، يوم الاثنين (28 أكتوبر الماضي)، عن بروس ريدل، المستشار السابق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض والباحث في معهد بروكينغز قوله: "هذه ليست خطوة قانونية مريبة فحسب، بل إنها تبعث كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط".
وأفادت مصادر محلية بأن نحو 170 شاحنة يرافقها 17 عربة مدرعة تحمل جنوداً أمريكيين وصلت من شمالي العراق عبر معبر سيمالكا الحدودي إلى الأراضي السورية، وهي الأكبر من نوعها منذ أشهر.
ويرى مراقبون أن إدارة ترامب تحاول جعل أفضل الموارد النفطية للبلاد رهينة من أجل استخدامها عملة للمقايضة، لإجبار سوريا والروس على قبول مطالب الولايات المتحدة، خلال تسوية سياسية للنزاع السوري.
وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الإثنين 21 /10/ 2019، إن جيش بلده يبحث إبقاء بعض قواته في أجزاء من شمال شرق سوريا، قرب حقول النفط مع قوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف إسبر للصحفيين، خلال رحلة إلى أفغانستان، بينما يجري سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، أن ”بعض القوات ما زالت تتعاون مع قوات شريكة قرب حقول النفط، وأن المناقشات جارية بشأن إبقاء بعض القوات هناك“.
وأوضح أن هذا القرار ”ضروري لضمان عدم سيطرة تنظيم داعش أو جهات أخرى على النفط“.
وفي السياق ،أكد الباحث الروسي إسلام بيك موزلويف رئيس كلية الدراسات الشرقية بالأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول من خلال سطوها على بعض حقول النفط في شمال شرق سوريا الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية.
وقال موزلويف في مقابلة نقلتها وكالة الأنباء السورية "سانا" الجمعة 1/11/2019 إن “الأمريكيين أعلنوا سيطرتهم على حقول النفط في شرق سوريا بذريعة حمايتها من الإرهابيين إلا أن الهدف بالنسبة لهم هو الحصول على غنائم اقتصادية وسياسية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية نشرت أواخر الشهر الماضي خريطة للحقول النفطية في سوريا وصورا من أقمار صناعية تم التقاطها في سبتمبر/أيلول الماضي تظهر قوافل الصهاريج التي تنقل النفط إلى خارج سوريا تحت حراسة العسكريين الأمريكيين وعناصر الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة.
وفي مقابلة مماثلة أكد كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الاستشراق في موسكو قسطنطين ترويتسيف أن الولايات المتحدة الأمريكية تنهب النفط السوري للحصول على المال وقال “يمارس الأمريكيون قرصنة بائسة لا تحلو لأحد ويسيئون بذلك إلى سمعتهم حتى وسط شركائهم في الشرق الأوسط.